للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الشاعر:

بَصيرٌ بأعْقابِ الأمورِ كأنَّما ... يَرى بِصَوابِ الرَّأيِ ما هُوَ واقِعُ

وقال الآخر في مثله:

عَليمٌ بأعْقابِ الأمورِ بِرَأيِه ... كأنَّ له في اليَوْمِ عَيْناً على الغَدِ

وقال:

بَصيرٌ بأعْقابِ الأمورِ كأنَّما ... يُخاطِبُه مِنْ كُلَِّ أمْرٍ عَواقِبُهْ

وأيْنَ مَقرُّ الحَزْمِ مِنْهُ وإنّما ... مَرائي الأمورِ المُشكلاتِ تَجارِبُهْ

ولقَدْ بالَغوا في الحثِّ على مشاورة ذوي الرأي والتجربة حتى ولَوْ كانوا أعداءً، قال ابن المقفع في كليلة ودمنة: لا ينبغي للعاقل أن يتركَ استشارةَ عدوّه ذي الرأي فيما يُشْركه ذلك العدوُّ في نفعِه وضرِّه. . .

وقالوا: اسْتَشِرْ عَدوَّك تَعْرفْ مِقدارَ عداوَتِه. . .

وقد رأى قومٌ خلافَ ذلك وذهبوا إلى أنّ رأيَ الشباب هو الرأي الصائِب، وفهمُهم هو الفهم الثاقب، إذْ أنّ عقولَهم سليمةٌ من العوارض، وآراءَهم خَضِرةٌ نَضِرةٌ لم يَهْتَصِرْ غُصْنَها هرمٌ، ولا أذوى زهرَتَها قِدَمٌ ولا خَبا من ذَكائِها بطول المُدّة ضرمٌ. قالوا: إنّ رأي الشَّيخ كالزّند قد انْثلم، أمّا رأي الشاب فكالزّندِ الصحيح الذي يُورى بأيسرِ اقْتِداح وقال الشاعر:

رأيتُ العقلَ لمْ يكنِ انْتِهاباً ... ولمْ يُقْسمْ على عَددِ السِّنينا

ولَوْ أنّ السنينَ تقسَّمتْه ... حَوى الآباءُ أنْصِبةَ البَنينا