للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إذن: أضيفت إلى اسمٍ جاءت الكاف -لبيك- هذا يحتمل كلاماً الأعلم، يحتمل أن هذه الكاف حرف ويحتمل أنها اسم, لما وجدنا أنهم عاملوها معامله الأسماء, وأضافوها إلى الأسماء سواءً كان شاذا كالغيبة أو الاسم الظاهر, عرفنا أن الكاف هذه اسم وليست بحرف لأننا حملناه على ما لَه نظير, يعني الأولى أن نحمل هذه الكاف على يدي والهاء في لبيه ولو كان شاذاً, وسبقَ معنا قاعدة: أن العربي قد ينطق بكلمةٍ خلاف الأصل لنستدلَّ بها على هجران الأصل المطرد؛ لأن بعضَ الأصول قد تكونُ خلاف الأصل في الأصل, حينئذٍ تأتي كلمة ينطقُ بها عربي فصيح ثم بعد ذلك نستدلّ بهذه الكلمة على أن ذاك الأصل هذا أصله, مثل: فَإِنَّهَ أَهْلٌ لأِنْ يُؤَكْرَمَا, أصله يُكرم, عرفنا بقوله: يُؤَكْرَمَا أن ثم همزة محذوفة في الأصل: أُكرم أُأَكرِمُ هذه مثلها, قيل: يدي مسور هذا شاذ, ولبيه هذا شاذّ, استدللنا بهذا على القياس المطرد في لبيك, فقلنا الكاف هذه اسمية بدليل أنهم أضافوا لبي إلى الاسم الظاهر في يدي, وإلى الضمير, هذا وجه الرد على الأعلم.

وَبَعْضُ مَا يُضَافُ حَتْماً امْتَنَعْ ... إِيلاَؤُهُ اسماً ظَاهِرَاً حَيْثُ وَقَعْ

حينئذٍ لا يليه إلا مضمر, وذكرَ أربعَ كلمات على ما ذكرناه سابقاً.

قال الشارحُ: ومذهبُ سيبويه أن لبيك وما ذُكر بعده مثنى وأنه منصوب على المصدرية بفعل محذوف .. منصوب على المصدرية, لكن المشهور عن سيبويه أنه حال, ولذلك نصَّ ابنُ هشام على ذلك في الأوضح لما أوردَ البيت الدالّ على هذاذيك, قال أعربَه سيبويه حالاً وهو ضعيف؛ لأنه مصدر مضاف إلى الضمير فاكتسبَ التعريف فلا يُنصَب على الحالية.

وإذا قال النحاة: منصوب على المصدرية -هكذا- فمرادُهم منصوب على أنه مفعول مطلق, هذا الأصل فيه, وإذا كان ثم ما يخالفُ هذا فلا بُدّ أن يكون اصطلاحا خاصا للمعرب، وأما الاصطلاح العام إذا قالوا: منصوب على المصدرية فالمراد به المفعول المطلق، مع كونهم يشترطون المصدر في المفعول لأجله؛ فحينئذٍ قد يلتبس لكن هذا ليس مراد.

إذن: وأنه منصوب على المصدرية بفعل محذوف من ألفاظها .. مُقدّر من ألفاظها السابقة إلا هذاذيك ولبيك فمن معناها, وأن تثنيته المقصود به التكثير، إذن: هو مُلحق بالمثنى وليس مثنى حقيقة لماذا؟ لأنه وإن كان في اللفظ مُثنى إلا أنه في المعنى جمع؛ لأنه يدلّ على كرّات .. مرّات عديدة, وأقلها ثلاثة.

إذن: ليسَ في المعنى مثنى؛ فهو على هذا ملحقٌ بالمثنى, كقوله تعالى: ((ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ)) [الملك:٤] كَرَّتَيْنِ -هذا فيه بحثٌ لياسين هناك في حاشيته على مجيب النداء-, أي: كرات، كرتين في اللفظ مُثنى لكن في المراد المعنى المقصود: كرات؛ لأن البصر لا يرجع خاسراً إلا بمرات، كرّة بعد كرّة، الكرة الأولى قد لا يُدرِك المراد, الكرة الثانية مثلها، إذن: لابد من كرّات, فكرتين ليسَ المراد به مرّتين فقط, لقوله تعالى: ((يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ)) [الملك:٤] أي: مُزدجراً وهو كليل, ولا ينقلب البصر مزدجراً كليلاًً -في الغالب- من كرتين فقط, فتعينَ أن يكونَ المراد بالكرتين التكثير لا اثنين فقط.