كيف تدل على النفي في الحال، ما وجهه؟
ليس زيد قائماً، متى نفي القيام عن زيد؟ الآن وقت الكلام، ثم إذا قيد بقيد فيحمل بحسبه، ليس زيد قائماً غداً، ليس زيد صائماً اليوم، ليس زيد صائماً غداً .. فحينئذٍ إذا قيد يحمل النفي على ما قيد به، وإذا لم يرد قيد لا بماضي ولا باستقبال، حينئذٍ يحمل على الحال، مثلها: (مَا)، ما زيد قائماً، يحمل على نفي الحال، ما زيد قائماً غداً، اليوم، أمس .. إلى آخره.
إذاً: أنها تدل على النفي في الحال كما أن ليس تدل على النفي في الحال.
الثاني: دخولها على المبتدئ والخبر، ليس تختص بالمبتدأ والخبر، وما كذلك النافية تختص بالمبتدئ والخبر، سواء أعملت كما هي لغة أهل الحجاز أو أنها تميمة بإلغائها.
ثالثاً: اقتران خبر (مَا) بالباء الزائدة، وَبَعْدَ مَا وَلَيْسَ جَرَّ الْبَا الْخَبَرْ، سيأتينا.
وكذلك لَيْسَ يأتي في خبرها حرف الجر الزائد وهو الباء ((أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ)) [التين:٨]، ((وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)) [البقرة:٧٤] دخلت الباء في خبر ما، ودخلت في خبر ليس، فدل على أن مَا مثل لَيْسَ في المعنى؛ لوجود هذه الأحكام، أنها في المعنى للنفي -نفي الحال- وكذلك أنها خاصة بالدخول على المبتدأ والخبر.
ثالثاً: دخول الباء الزائدة للتأكيد في خبر مَا ولَيْسَ، فلما أشبهت (ما) (ليس) هذا الشبه القوي عملت عملها فرفعت الاسم ونصبت الخبر في لغة أهل الحجاز.
وَمَا التِي تَنفي كليسَ النَّاصِبَهْ ... فِي قَولِ سُكّانِ الحِجَازِ قَاطِبَهْ
حينئذٍ تعمل ما النافية عمل ليس برفع المبتدئ على أنه اسم لها، والخبر تنصبه على أنه خبر لها.
إِعْمَالَ لَيْسَ أُعْمِلَتْ مَا -أعملت ما النافية للاستقراء والعلة هي المشابهة- دُونَ إنْ مَعَ بَقَا النَّفْي وَتَرْتيبٍ زُكِنْ: ذكر ثلاثة شروط صريحة، والبيت الذي يليه ذكر شرطاً رابعاً ضمناً، حينئذٍ لا تعمل مطلقاً، لماذا لا تعمل مطلقاً؟ الأصل يقال: بالاستقراء، أنه لما كان الأصل فيها عدم العمل فإذا وجدت قد عملت، حينئذٍ نكتفي بما سمع، فنستنبط ما الذي دخلت عليه؟ وكيف دخلت عليه؟ فنقول: هذه هي الشروط، هذا هو الأصل فيه؛ لأن الأصل أنها لا تعمل.
حينئذٍ ما لم يكن أصلاً في العمل إذا عمل لا بد من شروط، في أبواب النحو كلها، اسم الفاعل لا يعمل مطلقاً إلا بشرط، اسم المفعول لا يعمل إلا بشرط، المصدر لا يعمل إلا بشرط مطلقاً، لماذا؟ لأن الأصل في هذه الألفاظ عدم العمل، فإذا أعمل حينئذٍ لا بد من تقريبه إلى الأصل وهو الفعل.
هنا الأصل في مَا أنها لا تعمل، حينئذٍ إذا أعملت لا بد من شروط تقربها وتؤكد أنها قريبة المعنى من ليس، وأول شرط قال: دُونَ إنْ، يعني ألا يقترن بها إن، فإن زيدت عليها إن، حينئذٍ بطل عملها، والمراد بـ (إن) هنا إن الزائدة لا النافية المؤكدة.
إن حلولها بعد ما على ثلاثة أنحاء: إما أن تأتي زائدة، وإما أن تأتي نافية، وإما أن تأتي مؤكدة للنفي .. ثلاثة أنحاء.