للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إما أن تكون زائدة محضة، إذا قيل الحرف زائد معناه لم يستعمل في المعنى الذي وضع له في لسان العرب، إذا جيء بها نافية، حينئذٍ إما أن يكون نفياً مستقلاً، وإما أن يكون من باب التأكيد .. هذه ثلاثة أنحاء.

ما الذي يُمنَعُ هنا؟ دُونَ إنْ الزائدة، والنفي المنفي هنا هو أن تكون إنْ مقصوداً بها النفي المستقل، يعني إنْ لو قصد بها أنها بمعنى مَا النافية، حينئذٍ الأولى بطلت -بطل عملها-؛ لأن نفي النفي إثبات، ومَا إنما ألحقت بـ (ليس) لشبه النفي، إذاً إذا نفيت مَا بطل، وإذا استعملت إن تأكيداً بمعنى مَا، حينئذٍ بقي على أصله.

إذاً: إِعْمَالَ مَا: أعملت ما إعمال ليس دون إن الزائدة لا النافية المؤكدة، أما النافية المؤكدة فلا إشكال في كونها تالية لـ: مَا، ويبقى عمله على الأصل.

إذاً: الشرط الأول: ألا يزاد بعدها إن، فإن زيد بطل عملها؛ لأن (ما) عامل ضعيف، والضعيف لا يقوى على العمل إلا إذا وقع معموله في موقعه الأصلي؛ إذ أصلها حرف مشترك فالأصل إهمالها، وأعملت حملاً على فعل جامد لا يتصرف، حينئذٍ يبقى على ما سمع فحسب، نحو: ما إن زيد قائم، الأصل: ما زيد قائماً، زيد هذا اسم ما، وقائماً هذا خبرها، لما زيدت إن بعد ما وهي الزائدة حينئذٍ بطل عملها فقيل: ما إن زيد قائم، ما حرف نفي ملغى، وإن زائدة، وزيد مبتدأ وقائم خبره، هذا مرفوع وهذا مرفوع على الأصل كأنها لم تدخل على الجملة.

ما إن زيد قائم، برفع قائم ولا يجوز نصبه وأجازه بعض النحاة.

استدلوا بقول القائل: بَنِي غُدَانَةَ مَا إنْ أَنْتُمُ ذَهَباً بالنصب، والبصريون يمنعون هذا، والصحيح أنه مروي بالرفع بَنِي غُدَانَةَ مَا إنْ أَنْتُمُ ذَهَبٌ: ما نافية، إن زائدة، أنتم مبتدأ، ذهب خبر؛ لأنه بطل عملها، وإذا بطل عملها رجعنا إلى الأصل، فما نافية وإن زائدة فبطل عملها، وروي بنصب ذهباً فهي نافية إن مؤكدة لنفي ما، وإن المؤكدة لنفي ما لا تعارض ما، على رواية النصب بَنِي غُدَانَةَ مَا إنْ أَنْتُمُ ذَهَباً، لا نقول: إن هنا زائدة؛ لأنها لو كانت زائدة لبطل عملها، فعلى الرواية الثانية مَا إنْ أَنْتُمُ ذَهَباً نحمل إن هنا على أنها نافية على أصلها، لكنها مؤكدة لمعنى ما، ولو حملناها على أنها مستقلة النفي بطل عملها؛ لأن نفي النفي إثبات. إذاً: فهي نافية إن مؤكدة لنفي ما، فالنفي التي عملت ما لدلالته عليه باق، بخلاف ما لو جعلت إن نافية لنفي ما فإن الكلام يكون موجباً ثابتاً؛ لأن نفي النفي إيجاب، فيزول حينئذٍ سبب عمل ما؛ لأن شرط إعمالها بقاء النفي.

إذاً: إِعْمَالَ لَيْسَ أُعْمِلَتْ مَا دُونَ إنْ، نقول: ألا يقترن ما بـ: إن، يعني ألا يتلو ما حرف إن، ثم ننظر إن كانت زائدة بطل عملها، إن كانت مؤكدة للنفي بقي عملها، إن كانت نافية محضة مثل: (ما) بطل عملها، إذاً يبطل عملها في موضعين: إذا كانت زائدة وإذا كانت نافية أصالة، وأما إذا كانت مؤكدة للنفي حينئذٍ بقي عملها، وعليه يحمل رواية النصب بَنِي غُدَانَةَ مَا إنْ أَنْتُمُ ذَهَبٌ.

هذا هو الشرط الأول.