والعلماء اتفقوا منذ القديم على أن كتب أصول السنة هي كتب الستة الأصول، وهي: الصحيحان: البخاري ومسلم، وهو ما يعبر عن الحديث بأنه متفق عليه، فإذا قلت لك: حديث متفق عليه، فالمراد: رواه البخاري ومسلم، ولو قلت لك: حديث رواه الستة، فالمراد: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه؛ هذا الذي يقال عنه: رواه الستة.
وإذا قيل: رواه أصحاب السنن؛ فاعلم أنهم: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، هذه الكتب الأربعة تسمى كتب السنن، وبإضافة الصحيحين إليها تسمى: الكتب الستة.
وأبو طاهر السِلفي -بكسر السين؛ لأن جده كان اسمه سِلفة- قال: الكتب خمسة: عد الستة ما عدا ابن ماجه، لماذا يا أبا طاهر لم تعد ابن ماجه؟ قال: لأنه لا يساوي أي أصل من الأصول؛ لأن كل ما انفرد به ابن ماجه عن بقية الكتب الخمسة إنما هو ضعيف أو منكر، وما رواه ابن ماجه وهو موجود في أحد الكتب الخمسة: البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي، فهو موجود فيها، سواء كان صحيحاً أو ضعيفاً، وعلى أي حال العبرة بما انفرد به ابن ماجه عن الكتب، ولما كان انفراد ابن ماجه عن بقية الكتب ضعيفاً ومنكراً لم يعد أبو طاهر هذا الكتاب من أصول الإسلام، وهذا رأي في غاية الوجاهة، والأوجه منه أن يعد سنن الدارمي من أصول الإسلام الستة؛ لأن سنن الدارمي أعلى وأنظف أسانيد وأصح متوناً مما في سنن ابن ماجه، بل الدارمي نفسه متقدم في الطبقة على ابن ماجه، وأعلى إسناداً منه؛ فكان الحق أن يعد كتاب سنن الدارمي من أصول الإسلام.
والمستشرقون عندما أتوا ليعملوا المعجم المفهرس لألفاظ الحديث اختاروا كتاب ابن ماجه.
وهذه الأحاديث التي انفرد بها الإمام ابن ماجه إن قيست بالنسبة لبقية الإفرادات فهي قليلة، لكن بالنسبة لحجم كتاب سنن ابن ماجه ليست قليلة، وقد جمعها الحافظ البوصيري في كتاب سماه: مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، كما عمل ابن حجر الهيثمي رحمه الله زوائد على كثير من الكتب، فعمل زوائد مسند أحمد بن حنبل على الكتب الستة سماه: غاية المقصد في زوائد المسند، ومعنى كلمة (زوائد)، أي: الأحاديث التي رواها صاحب الكتاب زائدة عما في الكتب التي تسمى أصول الإسلام الستة، وهناك زوائد ابن حبان وزوائد أبي يعلى وهما من الزوائد التي جمعها الإمام ابن حجر الهيثمي.
إن السر في ذلك أن المستشرقين عندما جاءوا ليعملوا معجماً مفهرساً لألفاظ الحديث اختاروا البخاري ومسلماً وأبا داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ثم أدخلوا مع هذه الكتب الستة ثلاثة كتب أخرى: مسند أحمد بن حنبل، وموطأ مالك، وسنن الدارمي، وهنا يمكن أن تقول: أن المستشرقين هم الذين أدخلوا سنن الدارمي، فكان بالإمكان أخذ سنن الدارمي وترك سنن ابن ماجه.