[مناقشة تعريف الحافظ ابن حجر للحديث الحسن]
والحافظ ابن حجر له تعريف، وهو: ما اتصل سنده بنقل العدل خفيف الضبط، وقلنا: إن الراوي الذي خف ضبطه في مقابل تام الضبط؛ لأنه هو نفسه عندما عرف الحديث الصحيح قال فيه: هو ما اتصل سنده بنقل العدل تام الضبط، وعندما عرف الحديث الحسن قال: هو ما اتصل سنده بنقل العدل خفيف الضبط.
فأنا عندي الآن راوٍ تام الضبط روايته صحيحة، وراوٍ خفيف الضبط، وهو ثقة مشابه للأول، لكن الفرق أن ضبطه ليس كضبط من روى الحديث الصحيح، هذا الراوي تنزل رتبة حديثه شيئاً يسيراً عن رواية الثقة؛ فيكون حديثه حسناً لذاته.
فإن نزل في الضبط أكثر من ذلك -كأن يكون سيئ الحفظ- فالحديث ضعيف، وسيئ الحفظ ضبطه اختل؛ لأن الترتيب كالتالي: تام الضبط خفيف الضبط سيئ الحفظ.
فتام الضبط هذا حديثه صحيح.
وخفيف الضبط حديثه حسن لذاته.
وسيئ الضبط عند الانفراد حديثه ضعيف.
ونحن الآن نتحدث عن الانفراد في ثلاث حالات: انفراد الثقة، وحديثه صحيح.
انفراد الصدوق، وحديثه حسن.
انفراد الضعيف، وحديثه ضعيف.
وعندما أقول: الحديث الصحيح لذاته: هو ما اتصل سنده بنقل العدل تام الضبط عن مثله من أوله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة، هذا هو تعريف الحديث الصحيح، فإذا استجمع هذه الشروط يكون صحيحاً.
حديث آخر أتاني من طريق متصل السند، ورواته عدول، وأحد رواته خف ضبطه شيئاً يسيراً؛ فسينزل إلى درجة الحسن.
ونفس هذا الحديث أتى من طريقين أو ثلاثة أو أربعة طرق، فلما نظرت في كل الطرق وجدت في كل إسناد راوياً حكم عليه أهل العلم بأنه صدوق، ولم يقولوا عنه: ثقة، وإنما نزل عن هذه المرتبة قليلاً، ففي هذه الحالة أقول: هذا الحديث روي من أربع طرق أو من ثلاث طرق أو من طريقين، كل إسناد من هذه الأسانيد في ذاته حسن، ولو قلت في هذا الحديث في النهاية: هذا الحديث بمجموع طرقه حسن لذاته؛ فهذا الكلام غير صحيح، وتعدد الطرق في هذه الحالة لا قيمة له، فإذا كان كل إسناد لذاته حسناً؛ فإذا تعددت الطرق والأسانيد فلابد أن أرتقي قليلاً بالحديث، فأقول فيه: صحيح لغيره، يعني: قد استجمع أسباب الصحة والقوة من خارج كل إسناد، كأن يوجد شخص قوي شباب قد استجمع جميع أوصاف القوة والصحة البدنية في ذاته، ففي هذه الحالة سأقول: هذا إنسان قوي في ذاته، بمعنى: أنه قد استجمع أسباب القوة في ذاته هو، بخلاف أخيه الذي أصابته علة وآفة ووهن في بدنه، فالناس يرهبونه ويخافونه لا لأجله؛ لأنهم يعلمون أنه معلول ومريض وفيه ضعف، وإنما يخافون هذا الضعيف لأجل أخيه الذي يتوقعون منه البطش في أي وقت، ففي هذه الحالة سأقول: إن هذا الضعيف استجمع أسباب القوة من غيره.
إذاً: أسباب الصحة إذا اجتمعت في رواة الإسناد -أي: في ذوات رواة الإسناد- ففي هذه الحالة سأقول: هذا الحديث صحيح لذاته، يعني: لم يجمع أسباب الصحة من خارجه، وإنما أسباب الصحة الخمسة قد اجتمعت في ذات الإسناد، سواء في كيفية روايته بأنه ليس شاذاً ولا معللاً بالانقطاع ولا غير ذلك، أو رواته؛ فإنهم ثقات عدول ضابطون.
فإذا استجمع الإسناد أسباب القوة فسأقول فيه: هذا الإسناد قوي وصحيح في ذاته.
لو نزلنا قليلاً في ضبط الراوي فنقول: إن هذا الراوي ليس تام الضبط، وإنما خفيف الضبط، يعني: يمكن أن يكون ضبطه تأثر قليلاً بضياع كتبه بمرض أصابه بعمى أصابه في آخر عمره وكان قارئاً، فلما عمي اختل ضبطه نظراً لعدم اجتهاده ونشاطه في المراجعة والحفظ والضبط وغير ذلك من الأسباب التي هي آفات تصيب ابن آدم، ففي هذه الحالة سأقول في هذا: من يوم أن عمي وخف ضبطه بدأ يخلط في الأحاديث: يأتي بإسناد من هنا ويركبه في هذا، وهكذا، فنقول عن هذا الراوي: قد اختلط، فهذا الاختلاط علة وآفة، لكن لا يرد بها رواية الراوي مطلقاً، والاختلاط فيه تفصيل سنذكره.
ففي هذه الحالة سأقول: هذا الراوي اختل ضبطه شيئاً يسيراً؛ فينزل من مرتبة الثقة إلى مرتبة الصدوق، وأي إسناد فيه راوٍ صدوق يكون إسناداً حسناً لذاته.
فإذا قلت عنه: إسناد صحيح فلا فرق بينه وبين الثقة، فأي إسناد أقل الرواة فيه رتبته صدوق فينزل من مرتبة الصحيح إلى مرتبة الحسن لذاته.
ولو أتاني حديث في كل إسناد من أسانيده المتعددة راوٍ صدوق أو أكثر فكل إسناد من هذه الأسانيد على حدة حسن لذاته، فإذا تعددت الطرق على هذا النحو فيكون صحيحاً لغيره.
نأتي إلى الحديث الحسن لذاته وهو ما قلنا فيه: أن ينفرد به الراوي الصدوق، فننزل عن هذه الرتبة نجد أن الراوي ليس متهماً بالكذب، فإذا كان الراوي متهماً بالكذب فليس بينه وبين الكذب إلا مرتبة واحدة، وينزل ويسقط تماماً، ومهما أتى حديثه من طرق متعددة فلا يقبل؛ لأن الكذب علة قوية جداً لا يمكن أن يرتقي بها الحديث، وإن أتى من ألف طريق على هذا النحو، يعني: لو أتاني حديث من ألف طريق، في كل طريق راوٍ كذاب؛ فسأقول: هؤلاء تواطئوا واتفقوا على اختلاق هذا الحديث.
ففي هذه الحالة سأقول: الراوي لم يبلغ هذا المبلغ، بل هو بين خفة الضبط وبين الكذب.
وأريد أن أقول من هذا الكلام: إن ضعفه يس