[مناقشة تعريف الإمام الخطابي للحديث الحسن]
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد: ففي الدرس الماضي تعرضنا لشرح الحديث الحسن، وقلنا: إن الحديث الحسن هو مرحلة وسط بين الحديث الصحيح الذي لا خلاف على صحته، وبين الحديث الضعيف الذي لا خلاف على ضعفه.
وفي الدرس الماضي تعرضنا لتعريف الحافظ ابن حجر للحديث الحسن، وقلنا: إنه قال في النزهة عن الحديث الصحيح: هو ما اتصل سنده بنقل العدل تام الضبط عن مثله من غير شذوذ ولا علة، فإن خف الضبط فالحسن لذاته.
إذاً: تعريف الحديث الحسن لذاته عند الحافظ ابن حجر هو نفس تعريف الحديث الصحيح، إلا فقدان شرط واحد وهو تمام الضبط في حق الثقة الذي يروي الحديث الصحيح، فيخف هذا الضبط شيئاً يسيراً جداً؛ فينزل الراوي من الثقة إلى الصدوق، فإذا كان في الإسناد رجل واحد صدوق أو أكثر فيكون إسناده حسناً، لا لغيره وإنما لذاته؛ لأنه استجمع أسباب الحسن في ذاته هو، ولم يأت بها من خارج الإسناد، وإنما توافرت في ذات الإسناد.
وهناك تعريف للإمام الخطابي قال: هو ما عرف مخرجه، واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء.
وهذا التعريف انتقد على الخطابي؛ لأننا نعرف أن أي تعريف اصطلاحي لابد أن يتوافر فيه شرطان: أن يكون جامعاً، وأن يكون مانعاً.
أي: جامعاً لأوصاف المعرف، ومانعاً من دخول أوصاف غيره فيه، فعندما أعرف الحديث الحسن لا يمكن أن أعرفه تعريفاً مانعاً يمكن أن ينطبق على الصحيح والحسن والضعيف، فإذا أردت أن أعرف الحديث الحسن فسأعرفه بتعريفات دقيقة جداً منضبطة تجمع كل شروط الحديث الحسن، وفي نفس الوقت تأبى أن يدخل في هذا التعريف غيره من أنواع الحديث، فلا يدخل في هذا التعريف الصحيح ولا الضعيف.
فقول الخطابي: (هو ما عرف مخرجه)، معنى (عرف مخرجه): يعني: صحة طريقه، أي: أن يأتيني من طريق صحيح لا خلاف فيه، أو من طرق أخرى تدل دلالة قوية على أن للحديث أصلاً، كأن يأتي مثلاً من وجه مرسلاً، ومن وجه آخر مرفوعاً ضعيفاً فيه ضعف يسير، ومن طريق ثالث فيه مدلس لم يصرح بالسماع، ومن طريق رابع فيه راوٍ مجهول وهكذا، فإذا جمعت لك هذه الطرق توقن أنت بأن هذا الحديث له أصل؛ لأنه عندما تختلف هذه الطرق كلها -وإن كان في كل طريق على حدة نوع ضعف- هذا يعطيني في النهاية انطباع أنه لا بد أن يكون لهذا الحديث أصل.
إذاً: اختلاف الطرق يؤدي أو يثمر أن للحديث أصلاً، وهذا مخرج الطريق أو مخرج الرواية.
وهذا الكلام يصدق على الحديث الضعيف، بل على الحديث الموضوع، فإذا أتاني الحديث الموضوع من غير طريق، وفي كل سند من هذه الأسانيد وضاع أو كذاب؛ فهذه الطرق لا يرتقي بها الحديث، بل هي قرينة ودلالة على أن هؤلاء الرواة اختلقوا هذا الحديث، وفي النهاية أقول: هذا الحديث معروف مخرجه بالكذب.
والحديث الصحيح إذا أتاني من غير طريق كل طريق ازداد به قوة، ربما تصل هذه الطرق إلى درجة التواتر؛ فيكون الحديث معروف المخرج يقيناً.
ففي هذه الحالة عندما أريد أن أعرف الحديث الحسن لا يصح أن أقول: هو ما عرف مخرجه؛ لأن هذه كلمة غير مضبوطة؛ لأن الحديث الحسن يشترك مع الضعيف ويشترك مع الصحيح في هذا القيد: هو ما عرف مخرجه؛ لأن الصحيح كذلك، والضعيف كذلك، إذاً: الحسن لم ينفرد بهذا التعريف.
وقوله: (واشتهر رجاله)، الصحيح كذلك، والضعيف كذلك، فالصحيح رجاله مشهورون بالتوثيق، والضعيف رجاله مشهورون بالضعف.
إذاً: هذا القيد كذلك غير مجد في تعريف هذا النوع من الحديث وهو الحديث الحسن.
وقوله: (وعليه مدار أكثر الحديث)، الكلام هذا أيضاً فيه نقاش، فلماذا لا يكون مدار أكثر الحديث على الصحيح؟ وهل هناك من أحصى السنة فعلم أن معظم الأحاديث الحسنة هي التي عليها مدار الفقه والعلم دون الأحاديث الصحيحة؟
الجواب
لا يوجد.
وقوله: (وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء)، كل قيد من هذه القيود عليه انتقادات؛ لأن أكثر العلماء ومعظم الفقهاء اعتمدوا كذلك على الحديث الصحيح.
إذاً: في هذه الحالة نقول: إن تعريف الإمام الخطابي فيه نظر.