للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكلام على موطأ مالك]

الكلام على موطأ الإمام مالك: معنى الموطأ: الممهد السهل المعبد، يقال: طريق موطأ، يعني: معبد وسهل، والإمام الشافعي ثبت عنه أنه قال: لا أعلم كتاباً في العلم أكثر صواباً من كتاب مالك، الذي هو الموطأ.

فهل الذي يقدم كتاب البخاري بتلقي الأمة له بالقبول، أم موطأ مالك بنص الشافعي؟ الإمام مالك مات سنة (١٧٩)، والإمام الشافعي كان تلميذ الإمام مالك.

والإمام البخاري مات سنة (٢٥٦)، وذكرت سنة وفاة مالك ووفاة البخاري لأجل أن نلاحظ صحة الأخبار واستقامتها، وهو ما يسمى بمعرفة تواريخ المواليد والوفيات، فالإمام البخاري مات سنة (٢٥٦)، أما مالك فمتقدم على ذلك ولم يدركه البخاري؛ لأنه مات سنة (١٧٩)، دل ذلك على أن الإمام البخاري متأخر عن الإمام مالك، أما الإمام الشافعي فكان تلميذ الإمام مالك، بل هو أوثق من روى عن مالك، ولذلك من ذهب إلى أن السلسلة الذهبية: مالك عن نافع عن ابن عمر، قال: ولكون الشافعي أوثق من روى عن مالك فنقول: السلسلة الذهبية: الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر.

والإمام الشافعي عندما ذهبت به أمه إلى المدينة وعمره عشر سنوات ليحضر دروس مالك، قيل: إن مالكاً لم يهتم به في أول الأمر، حتى شعر الشافعي بذلك فقال: يا إمام! إني أحفظ الموطأ، فتعجب الإمام مالك من ذلك، والإمام الشافعي تلقى العلم على الإمام مالك، وكان شيخه في الفقه وفي الحديث، وإن كان الإمام مالك ينسب مذهبه كثيراً إلى الرأي، بخلاف الإمام أبي حنيفة فإن مذهبه هو مذهب أهل الرأي، وبخلاف مذهب الشافعي في الفقه ومذهب أحمد بن حنبل فإنه مبني على الدليل.

والإمام الشافعي قال هذه المقولة: (ما تحت أديم السماء كتاب أصح من موطأ الإمام مالك)، ولم يزل الإمام البخاري غلام يتلقى العلم، ولم يكن بعد قد صنف كتاب الصحيح.

ثم هناك فرق كبير بين أول من صنف في الصحيح المطلق، وأول من صنف في الصحيح المجرد، فأول من صنف في الصحيح المطلق هو مالك، ولكن أول من صنف في الصحيح المجرد هو الإمام البخاري.

ولو جئنا نرى موطأ الإمام مالك فإننا نجده مليئاً بالمراسيل والغرائب والمقطوعات، فكيف -والحال هذه- يقول عنه الشافعي: أصح كتاب تحت أديم السماء؟

و

الجواب

أن وصل هذه الأحاديث المقطوعة والغريبة والمرسلة لم يخف على الشافعي، فـ الشافعي قد عرف مخارج حديث مالك، فإنه كان خبيراً بحديثه وأخص تلاميذه، فقال هذا الحكم بناءً على علمه بوصل تلك الأسانيد، ولذلك الحافظ ابن عبد البر عليه رحمة الله أتى بعد ذلك في القرن الخامس والسادس فوصل -كما فعل غيره مع غير هذا الكتاب- هذه الأحاديث كلها، إلا أربعة أحاديث إلى الآن لم توصل، فالحافظ ابن عبد البر خدم موطأ الإمام مالك في أنه شرحه ووصل أسانيده، حتى صارت كل هذه الأسانيد المرسلة والمنقطعة والمعضلة أسانيد موصولة، وبذلك صحت جميع الأخبار والأحاديث التي رواها مالك في موطئه إلا أربعة أحاديث توقف أهل العلم فيها، على أن من سيأتي بعد ذلك ربما يهديه الله عز وجل إلى معرفة أسانيد هذه الأربعة.

وهذا الكتاب الذي بذل فيه ابن عبد البر ذلك الجهد اسمه التمهيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>