للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أثر الحكم بصحة السند على المتن]

هناك مصطلح آخر لأهل العلم: إذا قال العلماء: هذا إسناد صحيح، فهل يعني: أن الحديث الصحيح؟ كأن آتي على حديث رواه أبو داود وأقول: قال أبو داود: حدثني عبد الله بن مسلمة القعنبي قال: حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا الحسن بن روح قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا ابن سيرين قال: حدثنا ابن عمر، فهؤلاء الرواة كلهم ثقات، وإذا كان كذلك فأنا أقول: هذا إسناد صحيح.

لكن هل يلزم من قول: إسناد صحيح، أن يكون المتن صحيحاً؟ عندما أقول: هذا الإسناد رجاله ثقات، في الأغلب الأعم أن المتن صحيح تبعاً لصحة السند، فإذا صح السند صح المتن، هذا الأصل، ولكن إذا ذكرت الأصل يدل ذلك على أن هناك استثناء؛ لأن الحديث يمكن أن يروى بإسناد صحيح، ثم المتن يكون شاذاً ومعللاً، ونحن قلنا في التعريف: وألا يكون شاذاً ولا معللاً، فالشذوذ والعلة تلحق المتن، فمعنى ذلك أنني لو قلت: إنه دائماً صحة الإسناد يلزم منه صحة المتن؛ للزمني أن أقول: إن المتن لا تلحقه العلة مطلقاً، ولكن المتن قطعاً تلحقه العلل؛ ومنها الشذوذ، والنكارة، مثال ذلك: حديث يروى بإسناد رواته ثقات عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله خلق سبع أرضين كما خلق سبع سماوات، جعل في كل أرض آدماً كآدمكم، ونوحاً كنوحكم، وموسى كموساكم، وعيسى كعيساكم، ومحمداً كمحمدكم)، فهذا الكلام شاذ، ولذلك الحافظ ابن كثير قال في مقدمة البداية والنهاية: وهذا الحديث رواه ابن عساكر، ورواه كذلك الإمام البيهقي في السنن، قال: ورغم أن إسناده ورواته ثقات إلا أنه في غاية النكارة؛ لأنه يخالف الأصول الشرعية، ويخالف المعتقد الصحيح؛ لأن هذا الكلام يتناسب مع الباطنية، ويتناسب مع الصوفية، أما مع أهل السنة فلا يتناسب أبداً، فإنهم على عقيدة لا تقبل الزعزعة.

فهذا الحديث مروي وموجود في كتب السنة، والإسناد صحيح، أما المتن فمنكر، لحقه الشذوذ والعلل.

لكن الأصل أنه إذا صح السند صح المتن، والاستثناء أن المتن لا يخرج عن صحته إلا إذا لحقته علة أو شذوذ أو نكارة.

فلا يلزم تصحيح المتن تبعاً لصحة السند؛ لأني لو قلت: يلزمني، لكان لزاماً علي أن أقول: إن المتن لا تلحقه علة مطلقاً، وقد تقدم أن شروط الحديث الصحيح خمسة، منها: ألا يكون شاذاً ولا معللاً، وذكرنا أن الشذوذ والعلة والنكارة تلحق المتن.

فيلزمني أن أطبق هذه الشروط الخمسة على السند وعلى المتن سواء، فالأصل أنه إذا صح السند صح المتن، إلا إذا لحق بالمتن شذوذ أو علة أو نكارة أو مخالفة للأصول المعروفة في الشريعة، ففي هذه الحالة أقول: إن هذا المتن منكر أو شاذ أو معل أو غير ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>