[تقسيم ابن الصلاح للحسن إلى حسن لغيره وحسن لذاته]
قال: وليس فيما ذكره الترمذي ولا الخطابي ما يميز الحسن عن الصحيح، وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث فتنقح لي واتضح أن الحديث الحسن قسمان: أحدهما: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفلاً كثير الخطأ، ولا متهماً بالكذب، ويكون متن الحديث قد روي مثله أو نحوه من وجه آخر؛ فيخرج بذلك عن كونه شاذاً أو منكراً.
بعد أن نظر في تعريفات العلماء المتعددة التي فاقت العشرين تعريفاً للحديث الحسن وجد أن مدار هذه التعريفات كلها على نوعين: حسن لغيره؛ وهو في أصله ضعيف.
وحسن لذاته؛ وهو الذي نزل شيئاً يسيراً عن مرتبة الصحيح.
فهو يعرف الحديث الحسن لغيره فيقول: هو الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته، وضرب مثالاً للضعف اليسير بالمستور، وأنتم تعرفون أن المستور هو الذي يعبر عنه أهل العلم بالمجهول: إما جهالة عين، أو جهالة حال، إما شخص الراوي غير معروف، وإما هو معروف ولكن لم يزكه ولم يجرحه أحد، لكنه من حيث الاسم والنسب والكنية والبلد واللقب وغير ذلك معروف، فعندما نأتي نبحث عن أقوال النقاد فيه بالجرح أو التعديل فلا نجد عنه شيئاً، هو بهذا الحال مجهول، حاله مستور عنا، لا نعرفه، ففي هذه الحالة يستوي أن يكون مستوراً أو مجهولاً.
فهو يقول: الحديث الحسن: هو ما كان في إسناده راوٍ مستور لم تتحقق أهليته، يعني: لم يتأكد من عدالته، ولا من جرحه، فأهليته بالنسبة لنا غير معروفة، ويستوي في ذلك أن يقول الراوي: حدثني رجل قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال النبي عليه الصلاة والسلام، أو يقول: حدثني رجل من أهل البصرة، فحتى لو قال: حدثني أهل البصرة كلهم، نقول له: لابد أن تحدد، ولابد أن تذكر اسمه، فإن ذكر لنا اسماً غير معروف فإن الاثنين سواء، هذا ضعيف وهذا ضعيف، إما أنه أخفى عنا عين الرجل، وإما أنه ذكر عينه ولكن خفي علينا حاله، بمعنى: أنا لا نعلم حاله، أهو ثقة أم ضعيف؟ لأنه ليس فيه جرح ولا تعديل.
ففي هذه الحالة سأقول: إن هذا الإسناد في حد ذاته ضعيف، لكن لو أتاني هذا الحديث من وجه آخر فيه راوٍ لا بأس به، وإسناد ثالث فيه راوٍ مدلس ولم يصرح بالسماع، ومن طريق رابع فيه راوٍ سيئ الحفظ، ومن طريق خامس مرسلاً، ومن طريق سادس منقطعاً، أقول: هذا الحديث لابد أن يكون له أصل؛ لأنه روي بعدة طرق، كل طريق منها على حدة ضعيف، ولكن بانضمام هذه الطرق لابد له من أن يرتقي من الضعيف إلى شيء أحسن قليلاً، وهو أنه يكون حسناً لغيره.
فهو قال هنا: الحديث الحسن قسمان: القسم الأول: هو الذي لا يخلو رجال إسناده من مجهول لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفلاً كثير الخطأ، يعني: لا يكون ضعفه شديداً، إنما في كل إسناد راوٍ ضعفه يسير؛ لأن الضعف اليسير هو الذي يتقوى، وقد ضربت أمثلة، وأما الضعف الشديد فإنه لا يتقوى؛ وهذا هو الشرط الثاني.
الشرط الثالث: ولا هو متهم بالكذب، يعني: لا يكون كذاباً ولا متهماً بالكذب.
وتنبه إلى أن هناك فرقاً بين راوٍ متهم بالكذب، وبين راو كذاب، فالكذاب مقطوع بكذبه، فعندما تقول: فلان متهم بسرقة كذا، وفلان ثبتت عليه التهمة، هناك فرق بين الاثنين؛ فقولك: فلان متهم يعني: هو محل نظر، يمكن أن تثبت التهمة ويمكن ألا تثبت، بخلاف من ثبتت عليه السرقة نفسها، فيقال: فلان سارق وحرامي ولص، ففي هذه الحالة سأفرق بين مسألتين: بين راوٍ متهم بالكذب حديثه منكر، وبين راو كذاب حديثه مختلق ومصنوع وموضوع.
ففي هذه الحالة سأقول: ينظر إلى متن الحديث نفسه، والمتن: هو ما انتهى إليه السند من الكلام، هذا المتن إن أتى من أكثر من طريق وفي كل طريق علة يسيرة من هذه العلل فيرتقي إلى الحسن لغيره، وابن الصلاح يقول: وعلى هذا القسم يتنزل كلام الترمذي، يعني: تعريف الترمذي السابق يصلح على هذا القسم، وهو الحسن لغيره.
فالإمام ابن الصلاح عنده الحسن قسمان: القسم الأول: هو الحديث الذي يروى وليس في إسناده من يتهم بالكذب، ويروى من غير وجه، ولا يكون شاذاً ولا معللاً، وألا يكون راويه شديد الضعف، نحو: المستور والمقبول واللين، وغير ذلك، إذا روي حديث من غير وجه على هذا النحو فنقول: بانضمام هذه الطرق بعضها إلى بعض يرتقي الحديث من الضعف إلى الحسن لغيره؛ لأنه قد جمع أسباب الحسن من خارجه.
وأنا الآن لو نظرت في أحد هذه الأسانيد التي روي بها هذا الحديث، ووجدت إسناداً من بين خمسة أسانيد حسناً لذاته، وأربعة طرق أحدها مستور، والثاني مجهول، والثالث لين، والرابع اختلط؛ ففي هذه الحالة عندما يكون أمامك حديث بهذه الطرق الخمسة ستحكم على الحديث في النهاية بأنه صحيح لغيره؛ لأن أحد هذه الطرق حسن لذاته، وهذه الأربع الطرق ستؤدي مهمة، فيرتقي بها الحديث إلى الصحيح لغيره.
هذا القسم الأول من أقسام الحديث الحسن عند ابن الصلاح.
القسم الثاني: قال: أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة،