[الكلام على كتاب المختارة للمقدسي والمستدرك للحاكم]
يقول: (وقد جمع الشيخ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي في ذلك كتاباً سماه: المختارة).
وهذا الكتاب يشبه كتاب شرح السنة للبغوي، وهو كتاب نظيف، وأحاديثه عالية، وليس فيه ضعيف إلا الشيء اليسير، وكتاب المختارة قدمه كثير من أهل العلم على المستدرك للحاكم، ومستدرك الحاكم الكلام عليه يطول، ولكن باختصار جمَّع الحاكم هذه الأحاديث التي رواها في الاستدراك على البخاري ومسلم في كتاب، وكثرت أخطاء الحاكم في هذا الكتاب، وخالف كثيراً مقصوده من الكتاب؛ لأنه قسم هذا الكتاب إلى ثلاثة أقسام: قسم منه صحيح تم فيه غرض الحاكم، وهو الاستدراك على البخاري ومسلم.
وقسم منه صحيح ولكنه ليس على شرط البخاري ولا على شرط مسلم.
وقسم فيه الضعيف، بل وفيه الموضوع، وطبعاً عندما تأتي تقرأ في كتاب المستدرك على الصحيحين تفاجأ بأن ثلث الكتاب ضعيف أو موضوع.
لكن اعتذر عما فعل الحاكم باعتذار، وهو ما يعبر عنه العلماء بمصطلح التقميش والتفتيش، يعني: عند كوني أريد أن أؤلف كتاباً أجمع كل المقالات وكل ما أجد من آيات وأحاديث وأقوال أهل العلم وأقوال الشراح وغير ذلك، أجمعها بحيث تكون أمامي، لكن عندما أصنف كتاباً سأفتش في هذا الكلام جيداً، بحيث يكون اختياري أثناء التصنيف صحيحاً ومرتباً.
وقد اعتذر الحافظ ابن حجر عن الحاكم حيث بيَّن أنه جمَّع هذه المادة وهذه الأحاديث ووضعها في كتاب، فنقح من كتابه جزءاً، ثم أدركته المنية قبل أن يتم التنقيح لباقي الكتاب؛ فكثر بعد ذلك الانتقاد لبقية الكتاب، وأما الجزء الأول منه فقلما تجد فيه ضعيفاً.
والحافظ الذهبي رحمه الله لخص كتاب الحاكم، في هذا التلخيص قد يوافق الحاكم فيما ذهب إليه من حكم على الحديث، وقد يخالفه، فإذا رأى أن الحاكم قد أصاب الحكم وقد أصاب غرضه من هذا الحديث وافقه على هذا الصواب، وإذا رأى أن الحاكم أخطأ خالفه، وقال: لا، بل ليس على شرطهما، أو قال: بل ليس على شرط البخاري، أو بل ليس على شرط مسلم.
والغريب أن الحافظ الذهبي في مسألة موافقة أو مخالفة الحاكم أخطأ كثيراً، ولسنا نحن من يحكم عليه بالخطأ، بل هو نفسه، فإن الذهبي رحمه الله صنف كتباً كثيرة في الرواة، أعلاها وأجلها قدراً: كتاب تاريخ الإسلام، ثم أخذ من كتاب تاريخ الإسلام كتاب سير أعلام النبلاء، ثم أخذ من سير أعلام النبلاء كتاب ميزان الاعتدال في نقد الرجال، هذا الكتاب أربعة مجلدات، وهو في متناول كثير من الناس، فربما يقول الحاكم عن حديث ما: هذا الحديث على شرطهما ولم يخرجاه، ثم تجد من هؤلاء الرواة من قد حكم عليه الذهبي في ميزان الاعتدال أو في غيره بأنه ضعيف.
وقد يقول الحاكم: هذا الحديث على شرط مسلم، ثم لا تجد الحديث على شرط مسلم، وإن كان رواة الإسناد أخرج لهم مسلم، وهذه نكتة عظيمة، وهي أنه ليس بلازم أن يكون الرواة الذين أخرج لهم مسلم إذا اجتمعوا في إسناد أن يكون هذا الإسناد على شرط مسلم، فمثلاً: أخرج لي مسلم، ومحمد قد أخرج له مسلم، وإبراهيم قد أخرج له مسلم، فنحن الثلاثة متفقون أن مسلماً احتج بنا، لكن الحقيقة أن هذا الإسناد ليس على شرط مسلم، ولو كان الرجال رجال مسلم؛ لأن مسلماً احتج برواية محمد عن غير إبراهيم.
ولو احتج مسلم مثلاً بمحمد وإبراهيم وحسن؛ فالثلاثة من رجال مسلم، لكن مسلم احتج بكل واحد من هؤلاء الثلاثة عن غير من ذكر هنا، فمثلاً: يقول مسلم: محمد أنا أحتج بروايته إلا عن إبراهيم؛ لأنه لم يعرف إبراهيم، محمد ثقة في كل الناس إلا في إبراهيم، وهذا الأمر وقع فيه الحاكم وتبعه عليه الذهبي، يقول: محمد وحسن وإبراهيم على شرط مسلم، والحقيقة أنهم من رجال مسلم، ولكن ليس على شرط مسلم؛ لأن مسلماً احتج برواية حسن عن غير محمد، وبرواية محمد عن غير إبراهيم.
فهناك فرق كبير بين أن تقول: رجال هذا الإسناد رجال الصحيح، وأن تقول: هذا الإسناد على شرط الصحيح.
فقولي: هذا الإسناد على شرط الصحيح يلزم أن يكون الرجال رجال الصحيح، هذا عند العلماء كافة إلا عند الحاكم، فإنه قال: لا يلزم أن يكون الرجال أخرج ل