للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وزاد وكيع: "وإذا أمسى"، وهي زيادة ثقة مقبولة غير منافية.

ومن أمثلة الزيادة الشاذة في المتن ما رواه أحمد من طريق حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، مرفوعا: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر).

وهذه الزيادة شاذة أيضا فقد انفرد بها حماد بن سلمة، وخالف غيره ممن رواها عن محمد بن عمرو بدونها قال الأرناؤوط في "هامش المسند": (أخرجه الترمذي من طريق عَبْدَة بن سليمان وعبد الرحمن بن محمد المحاربي، وابن ماجه من طريق محمد بن بشر العبدي، وابن حبان من طريق ثابت بن يزيد الأحول، والبغوي من طريق النضر بن شُمَيْل، خمستهم عن محمد بن عمرو، بهذا الإسناد - دون قوله: "وما تأخر"، فقد انفرد بها حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، فهي زيادة شاذة).

- وقال اللقاني (١/ ٨٣٤) في تفسير المخالفة في تعريف الشاذ: (قوله: "مخالفا" أي مخالفة بتعذر معها الجمع، وفي مقدمة الشارح: "يكفي التعذر بغير الوجوه المتكلفة جدا").

[تنبيه:]

وأما إن وقعت الزيادة منافية لرواية من هو مساو له في الوثوق فلا تقبل بل يتوقف فيها (١).

[المنكر:]

قال الحافظ: -[(ومع الضعف فالراجح المعروف، ومقابله المنكر).]-

وقال في "النزهة" (ص/٨٦): (وإن وقعت المخالفة له (٢) مع الضعف فالراجح يقال له: "المعروف"، ومقابله يقال له: "المنكر".

مثاله: ما رواه ابن أبي حاتم من طريق حبيب بن حبيب - وهو أخو حمزة بن حبيب الزيات المقرئ- عن أبي إسحاق عن الْعَيْزَارِ بْنِ حُرَيْث عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وحج، وصام، وقرى الضيف دخل الجنة". قال أبو حاتم: هو منكر؛ لأن غيره من الثقات رواه عن أبي إسحاق موقوفا وهو المعروف).

[تنبيه:]

ظاهر قول الحافظ: (وإن وقعت المخالفة له) أن المخالفة هنا وقعت من ضعيف لراوي الحديث المقبول سواء أكان ثقة أم خفيف الضبط، ويؤيد ذلك المثال الذي ذكره، فقد نقل عن أبي حاتم تعليل النكارة بقوله: (لأن غيره من الثقات رواه عن أبي إسحاق موقوفا).

وعلى ذلك يأتي إشكال لماذا سمى الحديث الراجح بالمعروف وهناك بالمحفوظ، وهذا الاحتمال في حمل كلامه عليه صرح بعض تلامذته عنه بخلافه من أن المقصود هنا أن يكون الضعف من الجانبين مع رجحان أحدهما بأن يكون أحسن حالا من الآخر.

قال اللقاني (١/ ٨٤١): قوله: "وإن وقعت المخالفة ... " إلخ: نقل بعض تلامذة المصنف عنه أنه قال: "المراد بقولي: وإن وقعت المخالفة مع الضعف: أن يكون الضعف في الجانبين مع رحجان أحدهما" انتهى.

قلت: والمعنى: أن الضعيف إذا روى حديثا، وخالف في إسناده أو متنه ضعيفا أرجح منه؛ لكونه أقل منه وأحسن منه حالا، فما رواه الضعيف (الراجح يقال له: المعروف، ومقابله - وهو ما رواه الضعيف) المرجوح - يقال له: المنكر، والتمثيل الآتي يشكل عليه.

فخرج بقيد الضعيف في كل منهما: المحفوظ والشاذ؛ لأن كل واحد منهما راويه مقبول).

توجيه المثال المذكور:

قال اللقاني (١/ ٨٤٨): (قول أبي حاتم: "لأن غيره من الثقات رووه" لا يناسب ما مر عن المصنف من أنه لابد في المنكر من ضعف كلٍّ من راوييه المخالِف والمخالَف، لذا قال بعض تلامذة المصنف: أنه أوقفه على هذا، فقال له: إن اللائق التمثيل بغيره، وإنه روجع مرة أخرى، فقال: يعتبر الضعف في راوي المنكر المخالِف.

نعم لو وجد فيهما كان كذلك في التسمية، بأن يقال لمن قل ضعفه: معروف وللآخر منكر. انتهى).

ولا خلاف بين الجوابين، فكان الأولى به أن يذكر مثالا يجمع فيه بين المعروف والمنكر، والمثال الذي ذكره مثال صحيح للمنكر دون المعروف.

فتحصل من ذلك أن مخالفة الضعيف منكرة مطلقا، والمخالَف قد يكون معروفا إن كان أقرب في الضعف من المخالِف، وقد يكون مقبولا إن كان راويه مقبولا.

إشكال:

بقي الجواب عن ظاهر قوله: (وزيادة راويهما - أي الصحيح والحسن - مقبولة ما لم تقع منافية لمن هو أوثق. فإن خولف - أي راويهما - بأرجح فالراجح المحفوظ، ومقابله الشاذ، وإن وقعت المخالفة له مع الضعف فالراجح المعروف، ومقابله المنكر) فظاهر قوله المخالَف من الضعيف هو راوي الصحيح والحسن.

قال اللقاني (١/ ٨٤٩): (وأما أن موضوع التقسيم راوي الحسن والصحيح؛ فجوابه: أن في الكلام شبه استخدام (٣) لقصد الاستطراد).

والمقصود أن الظاهر هنا غير مراد وإنما ألجأ الماتن لذلك طريقة اللف والنشر المرتب التي سلكها وهي قريبة من طريقة السبر والتقسيم عند الأصوليين ليلتزم نظاما دقيقا، يستوعب كل مجموعة من علوم الحديث في ظل قسم واحد يجمعها في موضع واحد فيبدأ بذكر الأجناس ثم يفصل بذكر الأنواع مرتبة.

[تتمة:]

قال اللقاني (١/ ٨٤٣): (اعلم أن المنكر فردان:

أحدهما: ما خالف فيه المستور، أو الضعيف الذي ينجبر بمتابعة مثله.

وثانيهما: ما تفرد به الضعيف الذي لا ينجبر بمتابعة مثله.

وقد قدمنا في الشاذ أنه: ما خالف فيه الثقة من هو أوثق منه، أو تفرد به قليل الضبط، فله فردان - أيضا -، فظهر أنهما متميزان، وأن كلا منهما قسمان، وان المقابل للشاذ: المحفوظ، والمنكر: المعروف ...

ثم قال: عُلِمَ من كلام المصنف: أن الشاذ ما خالف الثقةُ الأوثقَ منه، وأن المحفوظ: ما خالف فيه الأوثق للثقة، وأن المنكر: ما خالف فيه الأضعف للضعيف، وأن المعروف: ما خالف فيه الضعيف الأضعف.

[مثال المخالفة في المتن:]

ما رواه أحمد وأبو داود وغيرهما من طريق أبي عقيل زهرة بن معبد، عن ابن عمه، عن عقبة بن عامر عن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: " من توضأ فأحسن الوضوء، ثم رفع بصره إلى السماء - أو قال نظره إلى السماء - فقال: أشهد أن لا إله


(١) انظر شرح القاري (ص/٣١٥).
(٢) هذه الزيادة مذكورة في بعض النسخ دون بعض.
(٣) جاء في حاشية قضاء الوطر: الاستخدام: هو أن يأتي المتكلم بلفظة لها معنيان، ثم يأتي بلفظتين يستخدم كل منهما في معنى من معاني تلك اللفظة المتقدمة. نهاية الأرب.

<<  <   >  >>