وقال الشيخ ابن باز - رحمه الله - في "مجموع الفتاوى" (٢٦/ ٣١٦): (إن الكذب عليه من الكبائر العظيمة، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى كفر من تعمد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الأكثر من أهل العلم على خلاف ذلك إلا أن يستحله، فإن استحله كفر بالإجماع، وعلى كل تقدير فالكذب عليه صلى الله عليه وسلم من أكبر الكبائر لعظم ما يترتب عليه من المفاسد الكثيرة، وما صاحبه عن الكفر ببعيد، أسأل الله العافية والسلامة). فائدة - الفرق بين الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم والكذب على غيره: قال الحافظ في "فتح الباري" (١/ ٢٠٢): (فإن قيل الكذب معصية إلا ما استثني في الإصلاح وغيره والمعاصي قد توعد عليها بالنار فما الذي امتاز به الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوعيد على من كذب على غيره؟ فالجواب عنه من وجهين: أحدهما - أن الكذب عليه يكفر متعمده عند بعض أهل العلم وهو الشيخ أبو محمد الجويني لكن ضعفه ابنه إمام الحرمين ومن بعده ومال ابن المُنَيِّر إلى اختياره ووجهه بأن الكاذب عليه في تحليل حرام مثلا لا ينفك عن استحلال ذلك الحرام أو الحمل على استحلاله واستحلال الحرام كفر والحمل على الكفر كفر وفيما قاله نظر لا يخفى والجمهور على أنه لا يكفر إلا إذا اعتقد حل ذلك الجواب الثاني - أن الكذب عليه كبيرة والكذب على غيره صغيرة فافترقا ولا يلزم من استواء الوعيد في حق من كذب عليه أو كذب على غيره أن يكون مقرهما واحدا أو طول إقامتهما سواء فقد دل قوله صلى الله عليه وسلم: (فليتبوأ) على طول الإقامة فيها بل ظاهره أنه لا يخرج منها لأنه لم يجعل له منزلا غيره إلا أن الأدلة القطعية قامت على أن خلود التأبيد مختص بالكافرين وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الكذب عليه وبين الكذب على غيره في حديث المغيرة حيث يقول: (إن كذبا علي ليس ككذب على أحد)). (٢) قال الشيخ عبد الله السمين في "حاشية لقط الدرر" (ص/٨٠): (أي الراوي المتهم، أي وغيره من الثقات الذين حضروا معه على الشيخ لم يروه، وأما لو كان هو ثقة من بينهم أو كانهو ينفرد يالشيخ في بعض الأحيان فإنه يقبل. (٣) وقال أيضا: (أي بأن يخالف من هو أوثق منه، وليس المراد بالقواعد قواعد الشريعة كما قال الشيخ ملا على القاري). (٤) اختلف العلماء فيما يعود عليه هذا الضمير، فقال بعضهم: إنه يعود للسبب الأول للطعن في الراوي أي: كذبه، ولذلك تعقب ابنُ قاسم الحافظَ فقال: (لاحاجة لقوله: وهذا دون الأول؛ لأنه معلوم أنه دون الأول في كلام المصنف) والصواب أن الضمير يعود للسبب الأول من اسباب إتهام الراوي للكذب كما سيأتي، وانظر اللقاني (٢/ ١٠١٦)، وحاشية لقط الدرر (ص/٨٠). (٥) قال الشيخ المأربي في "الجواهر السليمانية شرح المنظومة البيقونية" (ص/٦١) ما مختصره: (وهناك طرقا كثيرة لمعرفة ضبط الراوي وعدمه ومن ذلك: - سَبْر روايات الراوي، ومقارنتها بروايات غيره من الثقات؛ لينظر هل يوافقهم أم يخالفهم؟ ويُحْكَم على حديثه بعد ذلك بما يستحق. - اختبار الراوي، وللاختبار صور، منها: أ - أن يأتي إليه أحد أئمة الجرح والتعديل، فيسأله عن بعض الأحاديث، فيحدثه بها على وجه ما، ثم يأتي إليه بعد زمن، فيسأله عن الأحاديث نفسها، فإن أتى بها كما سمعها منه في المرة الأولى؛ علم أن الرجل ضابط لحديثه، ومتقن له، أما إذا خَلَّط فيها، وقَدَّم وأَخَّر؛ عَرَفَ أنه ليس كذلك، وتكلم فيه على قدر خطئه ونوعه، فإن كانت هذه الأخطاء يسيرة عددا ونوعا؛ احتملوها له إذا كان مكثرا، وإلا طُعِن فيه. ب - أن يُدْخِل الإمام منهم في حديث الراوي ما ليس منه، ثم يقرأ عليه ذلك كله، موهمًا أن الجميع حديثه، فإن أقره وقبله، مع ما أُدخل فيه؛ طعن في ضبطه، وإن ميز حديثه من غيره؛ علم أن الرجل ضابط. ج - أن يلقن الإمام منهم الراوي بقصد اختباره شيئا في السند أو في المتن، لينظر هل سيعرف ويميز؛ فيرد ما لُقِّنَه، أو لا يميز؛ فيقبل ما أُدخل عليه، فإن ميز؛ فهو ضابط، وإلا فغير ضابط. د - إغراب إمام من الأئمة على الراوي بالحديث، فيقلب سنده، أو متنه، أو يركب سند حديث على متن حديث آخر، أو العكس، ليعرف ضبط الراوي من عدمه أو قلته، ويحكم عليه بما يستحق حسب حِذْقه، وفطنته، وضبطه، أو غفلته، وعدم فهمه، وهذا يفعله الشيوخ مع تلاميذهم لمعرفة نباهتهم وتيقظهم، والعكس).