للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثالث وهو: ألا يكون الاضطراب في أصل المعنى، بأن يكون أمراً جانبيًّا. مثل: اختلاف الرواة في ثمن جمل جابر - رضي الله عنه - واختلاف الرواة في حديث فضالة بن عبيد في ثمن القلادة التي فيها ذهب وخرز، هل اشتراها باثني عشر ديناراً، أو بأكثر من ذلك أو بأقل.

فنقول: هذا الاختلاف لا يضر، لأنه لا يعود إلى أصل المعنى، وهو بيع الذهب بالذهب، لأنهم كلهم متفقون على أنها قلادة فيها ذهب وخرز، وكانت قد بيعت بدنانير، ولكن كم عدد هذه الدنانير؟ قد اختلف فيها الرواة، ولكن هذا الاختلاف لا يضر.

وكذلك حديث جابر - رضي الله عنه - فقد اتفق الرواة على أن الرسول صلى الله عليه وسلّم اشتراه، وأن جابراً اشترط أن يركبه إلى المدينة، ولكن اختلفوا في مقدار الثمن، فنقول: إن هذا الاختلاف لا يضر؛ لأنه لا يعود إلى أصل المعنى الذي سيق من أجله الحديث).

- وعلى ذلك فيكون تعريف الحديث المضطرب هو: ما روى على أوجه مختلفة مؤثرة متساوية القوة ولا مرجح (١).

وقال الحافظ: -[(وهو يقع في الإسناد غالبا، وقد يقع في المتن، لكن قل أن يحكم المحدّث على الحديث بالاضطراب بالنسبة إلى اختلاف في المتن دون الإسناد).]-

ومعنى كلام الحافظ (٢) أن الاضطراب غالبا ما يقع في الإسناد، وأنه غالبا ما يقدح في المتن. وقد - ولاحظ أن قد تستعمل للتقليل - يقع الاضطراب في المتن فقط، وفي الغالب أن الاضطراب في المتن يكون ناتجا عن اضطراب في الإسناد.

قال القاري في " شرح النخبة" (ص:٤٨١): ((وهو) أي الاضطراب، (يقع في الإسناد غالبا) ويلزم منه أن يكون الحديث ضعيفا، لإشعاره بأنه لم يضبط على ما ذكره الجزري، (وقد) للتقليل، (يقع في المتن) أي فقط.

(لكن قل أن يحكم المحدث على الحديث بالاضطراب بالنسبة إلى الاختلاف في المتن دون الإسناد) استدراك عما يتوهم أنه يجوز أن يكون قليلا في نفسه، وكثيرا باعتبار حكم المحدث به، فاندفع ما قيل: إن التقليل يفهم من قوله: غالبا، وكذا من قد في قوله: وقد يقع في المتن، فلا يحسن استعماله).

[أمثلته:]

قال الشيخ بازمول في "المقترب" (ص/٥٢) ما ملخصه: (مثال مضطرب الإسناد: ما رواه أبو داود في سننه حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا إسماعيل بن أمية حدثني أبو عمرو بن محمد أنه سمع جده حريثاً يحدث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً فإن لم يجد فلينصب عصاً فإن لم يكن معه عصاً فليخطط خطاً ثم لا يضره ما مرّ أمامه". وهذا إسناد ضعيف فيه مجهولان: أبو عمرو بن محمد وجده حريث ووقع فيه اضطراب في سنده.

فرواه الثوري عن إسماعيل بن أمية عن أبي محمد بن عمرو بن حريث عن جده عن أبي هريرة عنه به. فهنا قال (أبو محمد بن عمرو) وفي الذي قبله (أبو عمرو بن محمد).

ورواه الثوري عن إسماعيل بن أمية عن أبي عمرو بن حريث عن أبيه عن أبي هريرة عنه به. فهنا قال: (أبو عمرو بن حريث) وفيما سبق (أبو عمرو بن محمد). وقال هنا (عن أبيه) وفيما سبق (عن جده).

ورواه ابن جريج قال أخبرني إسماعيل بن أمية عن حريث بن عمار عن أبي هريرة عنه به. فهنا قال (عن حريث بن عمار) وفيما سبق (أبو عمرو بن حريث).

فالاضطراب واقع في جهتين:

الأولى: شيخ إسماعيل بن أمية:

أ- أبو عمرو بن محمد.

ب- أبو محمد بن عمرو.

ج- أبو عمرو بن حُرَيْث - حُرَيْث بن عمّار.

الثانية: شيخ شيخ إسماعيل بن أمية:

أ- جده حريث.

ب- جده عمرو بن حريث.

ج- أبوه حُرَيْث.

فالجهة الأولى غير مؤثرة؛ لأنه اختلاف في نسبه لا في حاله. أما الجهة الثانية فهي

مؤثرة (٣). والحديث ذكره ابن الصلاح مثالاً للمضطرب، وحكم غير واحد من الحفاظ


(١) ونفي الترجيح يستلزم نفي الجمع لأن الجمع مقدم على الترجيح.
(٢) انظر قضاء الوطر (٢/ ١١١٧)، حاشية لقط الدرر (ص/٩٣ - ٩٤)،والمقترب (ص/٥١).
(٣) قال ابن حجر في "النكت" (١/ ١١٨): (بقي أمر يجب التيقظ له، ذلك أن جميع من رواه عن إسماعيل بن أمية عن هذا الرجل إنما وقع الاختلاف بينهم في اسمه أو كنيته، وهل روايته عن أبيه أو عن جده أو عن أبي هريرة بلا واسطة، وإذا تحقق الأمر فيه لم يكن فيه حقيقة الاضطراب، لأن الاضطراب هو الاختلاف الذي يؤثر قدحا، واختلاف الرواة في اسم رجل لا يؤثر ذلك؛ لأنه إن كان الرجل ثقة فلا ضير، وإن كان غير ثقة فضعف الحديث إنما هو من قبل ضعفه لا من قبل اختلاف الثقات في اسمه فتأمل ذلك، ومع ذلك فالطرق التي ذكرها ابن الصلاح ثم شيخنا قابلة لترجيح بعضها على بعض، والراجحة منها يمكن التوفيق بينها فينتفي الاضطراب أصلا ورأسا").

<<  <   >  >>