أولاً: وضوح الفارق بين عقدي القرض والوديعة، ففي القرض يتملك المقترض القرض ويحق له التصرف فيه، ويكون ضامناً فرّط أم لم يفرّط.
أما في عقد الوديعة فالأمر بالعكس تماماً، فالمودع لديه لا يتملك الوديعة، وعليه لا يحق له التصرف بها، ويكون أميناً غير ضامنٍ إلا في حال التعدي أو التفريط كما بينا.
والحسابات الجارية أو الودائع المذكورة تتطابق في معناها مع القرض تمام التطابق، وليست من باب الوديعة في شيء وإن تسمت في العقد وديعة.
ثانياً: من المقرر عند الفقهاء أن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني، لا الألفاظ والمباني (١)؛ ومعنى العقد هنا هو معنى القرض لا الوديعة.
ثالثاً: إنّ هذا الأمر كان مشتهرا معروفا في عصر صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومن بعدهم من العصور المختلفة، والمحققون من علماء الإسلام سموه قرضا وإن اختلفت مقاصد العاقدين، فالعبرة في كل عقد بمقصده الأعظم وإن وجدت مقاصد أخرى.
ففي عصر الصحابة سبق بيان ودائع الزبير، وأما فيما بعدهم فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ذلك فقال ما نصه:
"من أخذ (السفتجة) من المقرض وهو أن يقرضه دراهم يستوفيها منه في بلد آخر مثل أن يكون المقرض غرضه حمل دراهم إلى بلد آخر والمقترض له دراهم في ذلك البلد وهو محتاج إلى دراهم في بلد المقرض فيقترض منه
(١) انظر درر الحكام شرح غرر الأحكام (٦/ ٤٣٧). وانظر درر الحكام شرح مجلة الأحكام (٤/ ١٥٤).