نفسه الفرصة لغرس هذه السلطة في الضمير الإنساني، حين تدعو هذا الضمير إلى أن يتأمل بطريقة أكثر موضوعية، حين وضعته، أمام درس (عدم العنف) كي يتأمله بطريقة جدية.
ولكن باندونج أيضاً تعتبر قبل كل شيء تقويماً لإمكانيات المستقبل، وقد أصبح على الإنسانية أن تحيل هذه الإمكانيات إلى واقع مُحَس يترجم الأفكار التي ولدت خلال المناقشات إلى سلوك محدد، وإلى تحقيق فعلي، مؤثر يغير حالة الرجل الأفرسيوي.
فمسؤوليات الزعماء والقادة خطيرة جداً أمام ما يصادفهم من عقبات ومغريات، وعليهم أن يلاحظوا أن تاريخ الشعوب الأفرسيوية لم يتحرر بعد من طرق التفكير والعمل التي كانت تسير عليها في عصر الاستعمار وعصر الثورة. وهذه الملاحظة تضع المشكلة في الإطار النفسي حيث يكون الأمر أمر تخليص هذه الشعوب من تورط مزدوج. ففي مرحلة الهدم، أي في الطريق إلى الهدف الجوهري من كل ثورة عنيفة، تصلح أي حجة، أو على الأقل تبدو أنها صالحة، وبما أنها توجه كل وسائلها إلى الهدم فإن جميع الوسائل تصير عندها صالحة عموماً، إذ من المعتقد في مثل هذه المرحلة أن من الواجب مواجهة الميكافيلية الاستعمارية، تلك التي ترى أن جميع الحجج والوسائل صالحة، بمكيافيلية ثورية تصنع من كل حطب سهماً، أي تستخدم جميع الوسائل للوصول إلى أهدافها.
ولئن كانت العقبات التي يتحتم على النشاط الثوري أن ينتصر عليها ضخمة، وتستلزم أشرف التضحيات، وأطهر البطولات، فإن إغراء الفكر الثوري كبير لكي يتخذ طريق السهولة، وهذا هو أخطر إغراء يتعرض له الزعماء وقادة الجماهير. فإذا جاء بعد ذلك عصر الجهد البنائي، والمهام الموضوعية، وجدناهم متحيرين في أهدافهم، محبوسين في ميكيافيليتهم، مختبلين في منطقهم الذي كان من الجائز أن يكون مؤتراً فعالاً في مرحلة الاضطراب،