ولكنه يصبح بالياً متأخراً، غير فعال عندما يشارفون اختبارات مشكلات البقاء والتوجيه.
فلو أننا لعبنا خلال الحقبة الثورية بمفتاح (الحقوق) - وهو ما يحدث غالباً- فسيكون من الصعب علينا أن نستخدم فيما بعد مفتاح ((الواجبات))، إذ إن الإغراء، على أن يستمر القادة في اللعبة نفسها، قاهر غلاب.
ونادر ذلك الرجل الذي يرضى بالمراهنة على اللعب بمفتاح (الواجبات) منذ البداية.
أما الأنبياء فإنهم جميعاً قد ارتضوا هذا الرهان، حين دعوا الناس إلى طريق الجهد والكفاح والكمال والتقدم.
ولكن الزعماء السياسيين يتعرضون لمخدر (الحقوق) حين يدعون الشعوب إلى طريق السهولة الذي يقودها أحياناً إلى الكوارث الاجتماعية وإلى المغامرات السياسية.
ولقد هرب غاندي من هذا المنحدر، حين اختار طريق الكفاح، طريق من يعمل على تغيير ما بنفسه كيما يتغلب على نقائصه ومظاهر ضعفه الأخلاقية والاجتماعية، فقد كان يأبى أن يواجه الميكيافيلية الاستعمارية بميكيافيلية أخرى، بل بالحقيقة المجردة، فهو لم يواجه القوة بشيء سوى عدم العنف. لقد هرب من الإغراء الضخم الذي يجذب الزعماء إلى طريق السهولة، ولم تكن نجاته من هذا الإغراء لطهارة نواياه، أعني صفاته الأخلاقية التي نعرف مغزاها وصرامتها لدى (المهاتما)، ولكن أيضاً لأنه وضع مشكلة تحرير بلاده أمام العقل. لقد هرب غاندي من مخدر السهولة بفضل مواهبه الأخلاقية والعقلية معاً.
فلو أحببنا أن نرى في أعماله طابع القديسين، فينبغي علينا أن نرى فيها أيضاً عمل رجل مكافح، وهو على علم تام بالقضية، وإنما يواجه قضية تحرير بلاده على أساس اختصاص الاجتماعي الذي يحلل نقائض بلاده، أكثر من أن