للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يواجهها على أساس اختصاص السياسي الذي يطالب بالحقوق، لأنه يعترف بأن (التغير القومي) لا يمكن أن يقوم على بطولة الزعماء، أو مِنحِ السلطات الاستعمارية.

وتدل هذه النظرية التي أعلنها غاندي يوم افتتاح الكلية المركزية للجامعة الهندية- التي كانت أولاً مؤسسة مس آني بيزانت- على أنه منذ بدء حياته السياسية كان يتكلم بلسان مربي الأمة، بلسان المهرج، ولا بلسان السياسي فقط. فالواقع أنه كان يشعر بأن المشكلة مشكلة حضارة، وكان يعبر في الواقع عن هذا الشعور حين يقول لمحدثه المندهش: ((لن تستحق الهند حقها في الحرية طالما كان المار على الرصيف في شوارع مدنها مثل بومباي، معرضاً للبصق من شباك فوقه)) فهذه الفكرة ليست فكرة سياسي فقط، إذ كان غاندي يدين منذ بدء حياته السياسية بفكرة تكوينية عن (الحق)، حيث يرى جذوره في (الواجب)، وبالتالي فقد اختار الواجب على أنه الأصل؛ ونحن ندرك أهمية هذا الاختيار وتأتيره الخطير الحاسم، ليس فقط على مرحلة ثورية، وإنما على عصر البناء الاجتماعي الذي جاء بعدها. فلقد وفر الشعب الهندي على نفسه عبء أزمة أخلاقية حين ارتبط كفاحه من أجل الاستقلال بطريق الواجب تحت قيادة غاندي. فلم يعرف الصدمة التي تأتي عقب التحرر. ولم يعرف الانهيار الذي يعقب هيجان الحمى، ذلك الانهيار الذي عانته شعوب أخرى منذ عام (١٩٤٥م)، عندما هبط المد الثوري، وانجلى السراب الفوضوي، وبرزت الوقائع الأصلية، وخلصت المشكلات من ضباب الخرافات والتهاويل، وسيطر على الأذهان نوع من خيبة الأمل والانكسار.

لقد عانت شعوب كبيرة وشعوب صغيرة، وما زالت تعاني من هذه الأزمة - أزمة النمو والتكيف مع الأوضاع الجديدة- بصور مختلفة، حتى يمكننا أن نحدد رد الفعل الذي عانته هذه الشعوب بصورة عنيفة أو بصورة ساكنة

<<  <   >  >>