أخرى، من وجهة النظر الموضوعية كان يجب تزويد الكتلة العربية الآسيوية بمغزى تاريخي وأخلاقي، وإعطاؤها روحاً وخطة مستقبل تنطلق من فكرة عامة، بحيث تصلح هذه الفكرة العامة لأن تترجم عن مصلحة عليا، ولأن تكون مقياسها الأساسي، ولأن ترشد إلى اتجاه روحي وسياسي معين، تأخذ في ضوئه الأفكار والمحاولات وألوان النشاط طريقها على نطاق أكثر اتساعاً، وفي إطار زمن غير محدود. أو بتعبير آخر، يجب أن تتجاوز بصورة ما (وحدة المأساة الكلاسيكية) أي وحدة الزمان، والمكان، والعمل، التي وقفت عندها الكتلة العربية الآسيوية في إطار الأمم المتحدة، حتى يكون عملها أكثر عمقاً واتساعاً في الإطار الذي تثور فيه مشكلات البقاء على المحور الأفرسيوي. ولم يكن يكفي أن يوضع لها مجرد تخطيط نظري يهم قليلاً أو كثيراً الزعماء والقادة، بل أن يحقق لها هيكلاً عضوياً تغوص جذوره في أعماق نفسية الشعوب، وفي مشاعرها الكريمة، كيما تعبر هذه الفكرة عن امتداد لروحية الشعوب، وفضائل نفسها في الميدان السياسي.
وفي هذا السبك، وإعادة التكوين للفكرة المعبرة عن الكتلة العربية الآسيوية، يجب أن يودع مضمون جديد يحمل قيمة فكرة شعبية مشتركة بين جميع الشعوب التي تعيش على محور طنجة - جاكرتا، بحيث تتعرف فيها هذه الشعوب حقيقةً من بنائها العقلي، ونموذجاً من فلسفتها الشعبية، كما أن كلمة (الغرب) ليست مجرد لفظ، أو صناعة لغوية أو دبلوماسية، أو تلفيقاً يدين بوجوده لبعض الملابسات، وإنما هي قاعدة لعقلية رجل الغرب وثقافته، واستمرار شخصيته، فهي التعبير المركز عن دور حضارة بأكملها، وهي تلخيص لألفين من سني التاريخ المنطبع في ذاته، وهي في النهاية كلمة تحمل عبء مصيره.
وإذن، فمن الوجهة النظرية كان يجب أن تهدف إعادة تكوين الكتلة العربية الآسيوية ودفعها الجديد إلى أن تسير في اتجاه حضارة، لا أن تكون مجرد إجراء سياسي.