ثقافة حضارة. فالفكرة الأفرسيرية إذن لا يجوز أن تخيف أحداً، لأنها لا تهدد أي مركز سياسي في هذا العالم.
أما فيما يتعلق بالمراكز الروحية، فإن صفتها الثنائية المستمدة من روحية الإسلام وتقاليد الهندوسية تنفي عنها ذلك الشيء الذي يسمى (سيف العقيدة) اللازم عندما يقتضي الأمر شن (حرب صليبية) أو (حرب مقدسة) والفكرة الأفرسيوية بهذه الصفة لا تحمل مطلقاً أي خطر لحرب دينية.
وإخواننا المسيحيون الذين قد يتوجسون خطأ أو صواباً من وجود (كتلة) دينية ككتلة (إسلامستان) مثلاً، لا يجدر بهم أن يعانوا القلق نفسه من الفكرة الأفرسيوية.
إنهم ولا شك سيرون في مضمونها المعادي للاستعمار عنصراً قد يحلق نوعاً من الاضطراب في أذهانهم، وهو اضطراب له وقعه في ضمير المسيحي الذي يحسب حساب بعض الشبهات المسيحية في الواقع الاستعماري، ولكن هذا عنصر عابر مثل الاستعمار، وهو سطحي وضروري في الوقت نفسه.
فمعاداة الاستعمار هي في الواقع رد الفعل الذي سيختفي طبيعياً مع الاستعمار الذي ولده، وأكثر من ذلك فإن هذين العنصرين يلعبان خلال قرن من الزمان فيما بينها الدور نفسه في تكوين (إرادة جماعية) وتهيئة نزعة تاريخية معينة في بعض الرقاع الجغرافية. فمعاداة الاستعمار قد تكمل مؤقتاً تعريف الفكرة الأفرسيوية باعتبارها حضارة، كما كان الاستعمار في القرن التاسع عشر عنصراً هاماً في تعريف الحضارة الغربية حيث كان يعد صفة مميزة لتوسع تلك الحضارة، وأساساً لحركتها ونموها، حتى كاد على المؤرخ الاجتماعي أن يعده المركب النفسي الخاص برقعتها الجغرافية. وكذلك اليوم، تعد معاداة الاستعمار بصفة عابرة عنصراً ضرورياً في نمو الفكرة الأفرسيوية، وفي تكوين ضميرها الجماعي، حتى يختفي سببها، وهكذا يتاح تحديد رقعة جغرافية بمركب نفسي معين، عام في جميع الشعوب المستعمرة، أو التي كانت مستعمرة، أي بمركب