التعايش أن تأتي في وقتها، وإذن فمؤتمر باندونج، لم يكن من مهمته خلق انقسام جديد جغرافي سياسي في العالم، أو أن يزيد لوناً آخر على خرائط الجغرافية السياسية.
وليس في مبدأ التجميع والتوحيد الذي جاء به في حياة الشعوب القاطنة على محور طنجة - جاكرتا ما يطلق عليه اسم (الإمبراطورية الأفرسيوية) هذا لا يدخل في نطاق التفكير في الموضوع.
هذه الاعتبارات التي تنفي احتمال (كتلة سياسية) تنفي أيضاً احتمال (كتلة فكرية) أي إنها تنفي صورتي السيطرة القيصيرية: سيطرة السيف وسيطرة الفكرة. وهي تسجل في الوقت نفسه وضع المشكلة بالنسبة إلى المسيحية، فالواقع أن للمسيحية مراكز روحية وزمنية معينة في العالم، ومن المحتمل أن تخشى من جهة أو أخرى فيضان الفكرة الأفرسيوية على ميدانها، وقد عبر صراحة بعض الكتاب في الغرب عن هذه المخاوف منذ مؤتمر باندونج على الأقل فيما يتصل بالناحية الزمنية، ولعلها حين تنطلق من أفواه المسؤولين لا تكون سوى عرض من أعراض (ذهان) السيطرة، أي الحالة المرضية، الناتجة في أوروبا عن ثقافة الامبراطورية التي خلقت الاستعمار. ولكنها حين تعبر بكل بساطة عن قلق مفاجئ لضمير إنساني وضع أمام المجهول ... فمن الواجب أن تهدأ هذه المخاوف، بيد الرجال الذين خلقوا بأعمالهم ومواقفهم هذا المجهول حين بعثوا (الفكرة الأفرسيوية) فمن المؤكد أن الذين اجتمعوا في باندونج لم تخطر بأذهانهم في لحظة ما فكرة إرساء أسس فكرية وسياسية لتأسيس إمبراطورية، ولا أن يصوغوا مبادئ ثقافة إمبراطورية تبعث في الشعوب الأفرسيوية- طال المدى أو قصر- رغبة في السيطرة والسلطان.
والواقع أن المشكلات التي عرضت على المؤتمر الأفرسيوي لا تستدعي بطبيعتها حلول (قوة) بل حلول (بقاء) وبالتالي لا تفرض ثقافة إمبراطورية. بل