للفكرة الأفرسيوية وجهتها الخاصة في العالم، والذي يعبر عن أحكام مصير مشترك بين الشعوب السائرة تحت لواء خطر الحرب. وإذا كان إلهام الثقافة الكلاسيكية في عصر النهضة الأوروبية خاصة قد اتجه نحو الذوق الجمالي أكثر من أي شيء آخر، فإن الثقافة الأفرسيوية ملزمة بسبب المأساة الخاصة بالقرن العشرين إلى أن تتجه أولاً نحو النهج الأخلاقي لتحديد مثلها الأعلى وهدفها المنشود، ونحو الصناعة بعد ذلك لخلق وسائلها إليه، فإنقاذ الإنسان من البؤس والفاقة على محور طنجة - جاكرتا وإنقاذه من حتمية الحرب على محور واشنطن - موسكو، هما بالنسبة إلى الإنسان الأفرسيوي الضرورتان المحددتان للمشكلة كلها: مشكلة بقائه، ومشكلة اتجاهه. وهذه الضرورة المزدوجة التي لا بد من أن يواجهها تسيطر بصورة طبيعية على جميع تحديدات ثقافته، وبالتالي على التحديد الأساسي لمنهجه الأخلاقي وسنقول فيما بعد، حين ننظر إلى مساهمته الخاصة، أي عنصر ميتافيزيقي جوهري سيجلبه الإسلام إلى هذا التحديد للروح الأخلاقي الخاص بالفكرة الأفرسيوية، وسنقول خاصة أي مفهوم إنساني سام سيضعه كمبدأ لانقاذ الإنسان بعد سقوطه تحت سيطرة الاستعمار والقابلية للاستعمار.
وستجد الفكرة الأفرسيوية- بمقتضى ازدواجها الروحي- المبدأ الثاني في فكرة عدم العنف، ذلك المبدأ الذي نعرف دوره المنقذ في تحرير الهند، والذي ما زال يلهم حتى اليوم الحوار الدولي (١) كقانون لا يقبل الانفكاك- منذ ذلك الحين- عن المحاولات الإنسانية في الميدان السياسي.
ولكنا لا يمكننا أن نضم هذه الملحمة إلى الفكرة الأفرسيوية دون أن ندخل فيها في الوقت نفسه بطلها الأسطوري: غاندي، صاحب الوجه المحاط بهالة من نور الشهداء، ذلك الوجه الذي يتجلى في أروع صفحة من تاريخ عصرنا.
(١) إن مما له دلالته أنه قد حدث خلال بعض المناقشات بين الصين وأمريكا التي تتابعت في جنيف أن البحث كان متجهاً إلى أن يصلوا إلى ((اتفاق على عدم استعمال العنف)) بهذه اللفظة نفسها في نوفمبر ١٩٥٥م. (المؤلف)