للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأهمية هذه المهمة النفسية الواضحة جلية في مشكلة الثقافة الأفرسيوية، ويظهر لزومها كلما ظهرت المهام الاجتماعية الضرورية عقب المطالب القومية، وكلما أصبحت المقتضيات الإنسانية الدولية أكثر إلحاحاً (١).

إن مشكلة السلام والحرب تتطلب قرارات صريحة وواضحة. بينما نزعة الحقد عمياء، كما يقولون، وهي بذلك لن تشجع بعض المساعي التي ينبغي أن تكون نزيهة لكي تكون فعالة.

وعليه فإن الثقافة الأفرسيوية لا يمكنها لأسباب مختلفة أن تجد إلهامها الجوهري في مجرد نزعة المعاداة للاستعمار، التي تختفي باختفاء سببها وهو: الاستعمار، فيجب أن تبحث عن روحها الأخلاقي في مجموع من القيم الروحية والتاريخية التي تقرها الشعوب الأفرسيوية كنوع من التراث ( Classicisme) يشبه التراث الذي قدمته الإنسانيات الإغريقية اللاتينية إلى الغرب فوجد فيه دليل الطريق وزادها، والمصدر الذي غذى منه عبقريته من فيدياس ( Phidias) (٢) إلى ميشيل آنج ( Michel Ange) (٣) والتي وجد فيها مقياس تنظيمه العقلي من أرسطو إلى ديكارت.

والتراث الأفرسيوي يمكن أن يجد عناصره أولاً في المركبات النفسية التي لعبت دوراً في الصراع من أجل التحرر، لأنها طبعاً مشتركة بين جميع الشعوب التي خاضت هذا الصراع (٤)، ثم إنه سيجدها في عوامل الاتجاه الذي خطّ


(١) ومما تجدر ملاحظته في هذا المجال أن ماوتسي تونج قد دشن الثورة الصينية ((بعد الانتصارات العسكرية التي أزالت كل العقبات المادية)) بمرحلة اعتراف ( Confession) يتسنى فيها لكل صيني أن يعترف بأخطائه السابقة: فهي عملية تصفية نفسية للدخول في عهد الثورة شبيهة بعملية تنظيف الثياب لاستقبال عيد جديد.
(٢) من أكبر المثالين في اليونان.
(٣) من أكبر مصوري عهد النهضة.
(٤) قالت صحيفة المساء في عددها الصادر في ٢٤/ ٩/ ١٩٥٧م بمناسبة زيارة فرقة من ممثلي السينما الصينين بقلم أحد المسؤولين فيها ما يلى: ((إن ثقافتنا وثقافتكم الحديثة ذات منبع واحد، وهي في طابعها العام انعكاس لكفاح شعبينا أمداً طويلاً ضد الاستعمار)). وفي هذا تعبير عن الواقع بكل بساطة.

<<  <   >  >>