للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومن المطمئن في هذا السبيل أن قادة الثقافة الأفرسيوية يدركون ذلك جيداً، وهذا أحد كبارهم مولانا أبو الكلام آزاد قد تفضل فأعطانا شخصياً الدليل، حيث يؤكد فخامته لنا: ((أن المسؤولية التي تقع على عاتق التربية خطيرة، إذ يجب ألا تدع الحقد يتأصل في قلوب الجيل الجديد في الهند، وعقولهم تحت ستار النزعة العادية للاستعمار)). ونحن نعتقد أن مهمة كهذه لا تخص فقط المسؤولين عن توجيه الثقافة في وطن غاندي، بل إنها تشمل جميع الأوطان الأفرسيوية، وهي تحدد لهذه الشعوب دون لبس أو غموض طريق التحرر الداخلي الذي يجب أن يكمل أعمال التحرر السياسي والقومي بالتحرر الذاتي، أي في الإطار النفسي والأخلاقي. فإن التورط الاستعماري لم يؤثر على الرجل المستعمَر في مفهومه السياسي، وفي علاقاته الاجتماعية فحسب، بل أثر عليه في أعماقه. وفي تكويناته الأساسية، لقد وصل إلى روحه وضميره في صورة حالات ذهان ( Psychoses) وحالات حرمان ( Inhibitions) تشل عنده كل جهد خلاق ولا سيما في إفريقية الشمالية (١).

ومن الؤلم أن نرى الرجل المستعمَر يقف دائماً في كتاباته موقف متهِم أو متهَم، فإن هذه الحالة السلبية تسيء إلى (ذاتٍ) تكبت دائماً نقائصها فلا تدعها تتفتح للحياة الجديدة.

فمشكلة التحرر يجب أن توضع إذن حتى في الإطار النفسي، وسنكون قد صفينا هذه الحالات الذهانية وصنوف الحرمان- بعض التصفية على الأقل- عندما نخلص الرجل الأفرسيوي من الشاعر السلبية التي أصابته بها نزعته العادية للاستعمار، وأصابه بها حقده.


(١) قمنا بتحليل هذا المظهر في مؤلف سابق بعنواد (مستقبل الاسلام) طبعة باريس. حيث وصفنا سيطرة الاستعمار التي تؤثر على الفرد المستعمر تأثيراً مزدوجاً، يحدث دفعة واحدة كواقع يشل حياته، وكشبح ينتج عنه حرمان.

<<  <   >  >>