التماسك والوثبة الضرورية لازدهارها، ولكن تطورها قد غير هذا الأساس العقيدي شيئاً فشيئاً، إلى هيكل مختلط يتجلى فيه التفكير الكاتوليكي والبروتستانتي، وما يسمى بـ (التفكير الحر) والتفكير اليهودي بصورة متوافقة تماماً. وعليه فلا مجال لأن نبحث عن التماسك والتوافق، لا في مبدأ واحد، ولا في تلفيق ديني مصطنع، فإن نزعة عداوة الاستعمار كانت كافية في مبدئها كوسيلة لإحداث التماسك بين العناصر الممثلة في باندونج. ولكن علاوة على أنها ستنتهي بفعل التطور، فإن من الواجب أن نمر بها سريعاً. فلقد كان الدبلوماسي الهندي ((بانيكار)) يعتقد أنها ضرورية دون شك باعتبارها (وحدة أساسية) تجعل منها باندونج نقطة الانطلاق للفكرة الأفرسيوية، ولكنه كان يعتقد أيضاً أنها غير كافية، إذ كان ينظر في الوقت نفسه إلى هذا الاجتماع على أنه (اجتماع لعناصر غير متوافقة).
فمن الواضح أن مبدأ كهذا لا يكفي، على الرغم من تأتيره الوقتي، لقد ألهم الشعوب المستعمَرة خلال فترة تحريرها تضحيات نبيلة، وأعمالاً نزيهة، وألهمها أخيراً الملحمة العظمى (ملحمة Satyagraha) أو ((طريق الحقيقة (١)) الذي حرر الهند.
ولكن حين تمر المرحلة الحماسية، فإن نزعة العداوة للاستعمار لا تصلح أن تكون (دافعاً سامياً) يحرّك حضارة ويعطيها مثلها الأعلى، ووثبتها الضرورية.
وأكثر من ذلك، فحين تستنفد نزعة العداوة للاستعمار مضمونها ((من المشاعر الإيجابية)) عبر التاريخ، فقد لا تدع هذه التصفية فيها سوى مشاعر سلبية تقوم على حقد الشعوب التي قاست من ظلم طغاتها، بينما القضية ليست أن ننتزع العالم من موجة احتقار الكبار، لكي نسلمه إلى حقد الصغار.
(١) اسم الخطة السياسية التي التزمها غاندي منذ بدء حياته السياسية في إفريقية الجنوبية. (المترجم).