للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الاقتصادي. فليست إذن الوسيلة المادية فحسب هي التي تفتقدها هذه البلاد لصناعة (جورب نقودها)، بل إنها تفتقد أيضاً الاستعداد العقلي الذي يبلغها هذه الغاية.

فلكي يحدد الرجل الأفرسيوي وجهته الاقتصادية يجب أن يتخلص من العامل (المقلل) الذي يهبط بمقدرة وسائله التأثيرية. ولن يستطيع الدخول في أي أطراد للنمو الاقتصادي إلا إذا حققنا انتقاله غير المشروط من المرحلة النباتية إلى الوضع الايجابي الفعال، باعتباره مبدأ، بحيث نوفر له دون شرط كمية الوحدات الحرارية اللازمة لهذا الانتقال، والضمان الأولي لكرامته النفسية، أي إن من الواجب أن نضع المشكلة أولاً في مصطلحات ((البقاء)). ووضع مشكلة الغذاء في هذا الإطار ينتج لنا مشكلة أخرى، هي مشكلة التوظيف الكامل لموارد تلك البلاد المادية والبشرية، فالمسألتان تندمجان منذ البداية في مشكلة واحدة تعبر عن المشكلة الاقتصادية في المجال الإنساني والأخلاقي (١) فإن أي نظام اقتصادي إنما توجهه القوى الأخلاقية التي تخلع عليه تفسيراً إنسانياً وغاية تاريخية. فهو في بدايته يحمل طابع اختيار بين (المنفعة) و (الحاجة) وفكرة التوزيع فيه، أعني وظيفته الاجتماعية الجوهرية تكتسب تحديدها من هذا الاختيار الأولي.

فالمذهب التجاري أو الاحتكاري القائم على أساس المنفعة أي الذي يقوم توازنه على قانون العرض والطلب يتنافس مع المذهب القائم على فكرة (الحاجة) أي الذي يتوازن على أساس مبدأ الإنتاج والاستهلاك.

ولا شك أن وزير الصناعية في بورما (كياونين) قد صاغ رأيه في الفكرة التي صدرنا بها هذا الفصل، وهو يفكر في هذا الخيار بين المذهبين. فنظرية اقتصاد قائم على أساس (الحاجة) هي التي تقرر في صورة فرض (الحق) غير المشروط


(١) ويبدو أن البلاد العربية بدأت تواجه المشكلة في وضع (البقاء) كما برهنت على ذلك التقارير الأخيرة التي اتخذتها مصر في قضية التشغيل العام.

<<  <   >  >>