للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فمن اللازم إذن أن نتناول المشكلة الاقتصادية في هذه البلاد من أساسها. أي أبتداءً من عناصرها النفسية.

وفي هذا المستوى يكون حلها منحصراً في تكوين (وعي اقتصادي) بكل ما يستتبعه في التكوين الشخصي للفرد، وفي عاداته، وفي نسق نشاطه، وفي مواقفه أمام المشكلات الاجتماعية.

وفي هذا الميدان أكثر من أي ميدان آخر يدخل الرجل الأفرسيوي مرغماً، في عالم حديث تسيطر عليه مقاييس معينة للقدرة على التأثير، وربما لزمنا أن نخفف من حدة هذه المقاييس التي خلقت في المجتمع الصناعي الإنسان الآلي. ولكن القدرة على التأثير كما لاحظ أحد الصحفيين السويسريين إن لم تكن الهدف الأحمى للإنسانية فإن قدراً معيناً منها لازم على أية حال، إذ من غيره لا يكون المجتمع منتجاً. حتى من الناحية العقلية ... (١)

فالأمر بالنسبة إلى الفرد، كما هو بالنسبة إلى المجتمع، يتعلق بأن نحقق أقصى حد ممكن من القدرة التأثيرية، ولكن العكس يحدث غالباً في البلدان المتخلفة، حيث تقل الوسائل بسبب درجة النمو الاجتماعي، وهي فضلا عن ذلك معطلة عن الاستعمال بفعل بعض النقائص النفسية، ولقد قدمنا هذا المعنى في مكان آخر (٢) حيث بينا في ضوء بحث قمنا به إذ ذاك في مدينة جزائرية صغيرة، أن نسبة ميزانية الضروريات إلى ميزانية الكماليات والتوافه هي نسبة ٥%: ٩٥% وربما أدى البحث مع اختلاف الأرقام إلى النتائج النسبية نفسها سواء في المستوى القومي أم في المستوى الفردي. ففي كلتا الحالتين نكون قد جمعنا الآثار السلبية التي ينتجها المعامل نفسه ( Coefficent) لأنه على علاقة بالمعادلة الشخصية، التي تبرز فيها مع عناصر النمو الاقتصادي الحديث عوامل نفسية جثمانية موروثة مناقضة لهذا النمو في البلاد التي لم يتكوّن فيها بعد الوعي


(١) هربرت لوشي La France à l'heure de son clocher فرنسا في العهد القروي.
(٢) بحث منشرر في فصل من كتاب مستقبل الإسلام (( Seuil)) بباريس سنة ١٩٥٤م.

<<  <   >  >>