للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهكذا لم يقدّم الاستعمار نظاماً للتلمذة الاقتصادية إلى البلاد المستعمَرة، حيث لم يعدل في الواقع التكوينات الشخصية طبقا للتكوينات الاقتصادية الجديدة. بل إنه فرض في هذه البلاد حكم العبودية الاقتصادية فحسب، ذلك الحكم الذي ترك طابعه البارز على نفسية الطبقات البورجوازية، كما تركه على نفسية الطبقات الكادحة.

فاللجوء إلى (استشارات) المتخصصين في هذه الظروف لإنهاض حالة اقتصادية متعثرة أو منهارة، يجعلها استشارات لا أتر لها بحيث لا تكون سوى طريقة (سحرية) تستمد مبدأها من الثقة التي نخلعها على صاحبها (الدكتور). إن من الواجب أن ننظر إلى المشكلات الاقتصادية في طبيعتها البشرية وإلا انتهى بنا الأمر إلى نتائج نظرية.

فهناك ظاهرة أثارت دهشة المراقبين وهي أن الدخل قد هبط في بعض البلاد التي تحررت من نير الاستعمار بحوالي ١٦% على أثر تحررها، ومن الممكن بلا شك أن نفسر هذا الهبوط بإرجاعه جزئياً إلى الأوضاع والتكوينات الاقتصادية العالمية، وبناء على العوامل السياسية التي تؤتر في مرحلة انتقال مضطربة، فإن للعوامل ذات الطابع الاستراتيجي تأثيراً على السوق العالمية، وبالتالي على الأسواق المحلية وهو تأثير لا يمكن إغفاله هنا، ولكنَّ في هذا الهبوط جزءاً متصلاً بالعوامل النفسية، أي بعناصر المعادلة الإنسانية الخاصة بتلك البلاد، حيث تتجلى فيها النزعات المحلية وتأتيرها المعطل الذي لا يظهر طالما وجدت قواها الانتاجية تحت سيطرة النظام الاستعماري عوامل منشطة أخرى. ولا سيما العمل الاجباري الذي ذاقته أندونيسيا، والذي لا زال يطبق في بعض مناطق إفريقية الغربية الفرنسية على الرغم من صدور (دستور العمل) الجديد.

وتبرز الأهمية الاقتصادية لهذا التعطيل بصورة جلية إذا ما وضعناها بجانب رقم ((٢%)) وهو الذي يمثل النسبة التقريبية المستثمرة من الدخل في تلك البلاد.

<<  <   >  >>