للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

على يديه أخلاقياً واجتماعياً، فليس العمل وسيلة لكسب العيش، بل هو طريقة لارضاء مطالب السلطة التي توزع الخبز، علماً بأن (الخبز) الذي يحصلون عليه بهذه الكيفية ليس حقاً، وإنما هو منحة، وبذلك هدمت تصرفات الاستعمار الوضع المتعارف عليه، ولكنها حين أدخلت الرجل المستعمَر في خضم العصر الاقتصادي لم تترك له أي وسيلة لحل مشكلاته، وهكذا انحط الاستعمار برجل التأمل والنظر. وبدلاً من أن يدخله في جهاز نظامه الخاص فيجعل منه الرجل ذا الوعي الاقتصادي ( Home èconomious) ، إذا به يتخذ منه آلة في هذا الجهاز، أي في الاقتصاد الاستعماري، وبهذا ينتقل الرجل المستعمَر فقط من المرحلة التأملية (١) إلى المرحلة النباتية التي لم تكن له فيها (حاجة) فأصبحت له حاجات لا يملك أي وسيلة منظمة وعادية لإشباعها.

فلقد نمّى الاستعمار في نفسيته خوف الجوع. الذي يظهر في جميع طبقات المجتمع المستعمَر، خلق منه الرجل الجائع دائماً، وخلق منه الرجل الذي يخاف دائماً من الجوع، وهاتان الصورتان من صور الخوف، قد حطمتا عند الكائن المستعمَر كل إمكانية للتكيف مع التكوينات والأوضاع الاقتصادية في القرن العشرين.

ففي إفريقية الشمالية مثلاً تخشى الطبقة البورجوازية الجوع. ويتجلى خوفها في صورة (بطنة hypergastrisme) تدل عليها حالة تلك الأسرة الجزائرية التي تستهلك لاستعمالها الخاص مئة كيلو من الزبد في الشهر عام ١٩٣١م. ويتجلى خوف الجوع في الطبقة الكادحة في صورة (مسغبة hypogastrisme) ولا سيما عند هؤلاء الآلاف من العمال في إفريقية الشمالية، الذين يذهبون للعمل في فرنسا، ويموتون نتيجة نقص التغذية، الذي لا يتلاءم مع وسائلهم الجديدة أو مع المناخ والعمل في المصانع.


(١) يقصد بالمرحلة التأملية تلك المرحلة التي لم يكن فيها للرجل الأفرسيوي نوع من تصور الحقائق الاقتصادية فكأنه يعيش في حدود التأمل التائه فقط. (المترجم)

<<  <   >  >>