للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

منذ عهد قريب الاستغلال الاستعماري، فهي تحاول اليوم لأسباب مالية واستراتيجية إبقاء (منطقة رهو) في البلاد المنتجة للمادة الأولية، تتفق مع التيارات التجارية ومع التيارات السياسية العالمية أي مع مصالح البلاد ذات الطاقة الاقتصادية العالمية وتسعير القطن المصري، والكاوتشوك والتوابل في أندونيسيا، والأرز في بورما، إنما يتحدد طبقاً لمقتضيات هذه التيارات، وفي خضم هذه الظروف التي تموج بها السوق العالمية تواجهنا مشكلة تسويق المادة الأولية. والضرر الذي يصاب به الاقتصاد الراهن القائم على أساس النقد إنما يأتي من أن العلاقة بين المادة الأولية والعملة إنما تحددها العملة نفسها.

فمثلاً ليس هناك أي سبب ظاهر لأن يكون سعر (الحلفا) الجزائرية- وهي مادة أولية- أقل ثلاثين أو أربعين مرة من سعر منتجاتها- عجينة السليلوز والورق- المصنوعة في إنجلترا، ليس هناك سوى سبب واحد يتصل بالعلاقة بين الحلفا والجنيه الاسترليني، وذلك هو فائدة الصناعة الإنجليزية والعامل الإنجليزي، وهكذا تكبد ساعة العمل التي يؤديها العامل الإنجليزي العامل الجزائري كثيراً، إذ إن الأول إنما يفضل الثاني بالعملة. على حين لا يمثل الثاني سوى المادة الأولية.

وقد لفت هذا الشذوذ أنظار بعض المراقيبن لاقتصاد الشمال الإفريقي حين لاحظوا أن سعر الطن المصدر من المادة الأولية كان مثلاً في مراكش عام ١٩٣٨م (٦٠٠ فرنك)، بينما يصل سعر الطن المستورد من المنتجات المصنوعة إلى (٢٣٠٠ فرنك). وملاحظة هذه الأرقام باعتبارها متوسطاً كلياً، لها دلالتها، ولكنها لا تترجم تماماً عن الواقع الاقتصادي في مستوى العامل المراكشي، بل في مستوى رجل الأعمال الأوروبي الذي يصدر المادة الأولية المراكشية، أما في مستوى العامل المراكشي، أو مستوى مقتلع الحلفا الجزائرية، فإن أسعار الطن المعد للتصدير يجب أن تهبط إلى الثلث، وأيضاً إلى الربع من هذه القيمة لكي تطابق الحقيقة.

<<  <   >  >>