ومن هذه الزاوية تواجهنا مشكلة تسويق المواد الأولية، فالبلاد الأفرسيوية مضطرة في الظروف التي توجد فيها الآن إلى أن تصدر المواد الخام، تلك التي لا تملك وسائل تغييرها وتصنيعها في بلادها، ومن هنا تكون مرحلة جديدة في مواجهة هذه البلاد لمحور واشنطن - موسكو، هنالك حيث تقوم صناعات التحويل والتغيير، وتلك هي المواجهة الاقتصادية التي تظهر نتائجها بصورة طبيعية في الميزان التجاري لتلك البلاد خاصة في الخسارة التي بلغت ١٦% في دخلها الكلي- كما ذكرنا آنفاً- خلال السنوات التي أعقبت تحررها.
ونحن نصادف مرة أخرى هنا مشكلة (الوعي الاقتصادي) والتخصص الفني، أعني مشكلة توجيه الثقافة وتكوين الإطار الاجتماعي. ولكن بصرف النظر عن هذه العناصر الداخلية التي يجب أن نضيف إليها نتائج الأحداث الثورية التي أدت إلى التحرر، مع تفاوت في درجتها الثورية، فإن الخسارة تنتج أيضاً بقدر ما عن ظروف السوق الدولية. وبالنسبة إلى هذا الجزء من المشكلة تواجهنا مشكلة تسويق المواد الأولية؛ وهي تواجهنا أولاً بمنطق البورصات، بكل ما يحمل هذا المنطق من اصطناع ومكيافيلية وتزييف. وبدهي أن تسعير البورصة يبدأ من علاقة (المادة الأولية بالعملة) تلك العلاقة التي يحددها سعر البورصة. ولكن السعر لا تحدده العناصر الاقتصادية الخاضعة لقانون العرض والطلب فحسب، بل إنه يتحدد أيضاً بعناصر غير اقتصادية تفصح عن اعتبارات مالية، وسياسية، واستراتيجية، أعني: الإرادة الخاصة لأحد الأطراف وهو مَن في حوزته العملة، وهذا ينطبق انطباقا تاماً على البترول مثلاً، فإن هذه العناصر الأخيرة المذكورة هي التي تحدد وحدها أسعاره، دون أن يكون للبلاد المنتجة للمادة حق إبداء رأيها، فإذا انتقلنا عملياً إلى السوق الدولية، وجدنا الأمر قريباً من هذا. إذ تتحدد العلاقة بين المادة الأولية والعملة عملياً من طرف واحد: هو الترست ( Trust) الذي يحدد الأسعار بنسب تناسبه. وهكذا تخضع سوق المادة الأولية- دون مقابل- لسوق المال، ولإرادة رأس المال. وإنه من طبيعة هذا الوضع أن نرى في تلك الارادة، المقدرة بالدولارات والإسترليني، الفلسفة التي كانت تقود