تلك هي (القوة) التي حددت- بلا جدال- خلال القرن الماضي علاقات الإنسان على محور طنجة - جاكرتا بالإنسان على محور واشنطن - موسكو، كعلاقات بين مستعمَر ومستعمِر.
ولكن بينما كان من المتوقع بالنسبة إلى هؤلاء الخصمين بقاؤهما مسيرين كل منهما إلى ما قسم له، بحيث يسيران في وضع (تواز) مستمر يمثله خطا القابلية للاستعمار والاستعمار. إذا بهما ينتهيان إلى ميدان تتقاطع فيه قوى التطور، وسبب ذلك هو الانقلاب المفاجئ الذي طرأ على الحالة بفعل ما أسميناه بالتأثير المضاد الناتج عن القوة.
ومن الطبيعي أن تظهر نقطة التقاطع لعيني الخبير الاقتصادي في الميدان الذي تتحكم فيه القوى الاقتصادية، ففي فرنسا مثلاً يرى ألفريد سوفي ( Alfred Sauvy) أن نقطة الالتقاء ... إنما هي في (الجنوب البائس) أي في الاتجاه الذي يحدد التيار الاقتصادي العالمي الراهن الذي يتجه من مناطق (الإنتاج) في الشمال إلى مناطق (الاستهلاك) في الجنوب.
وهناك عوامل ثقافية واجتماعية يمكن أن تحتم أيضاً هذا الاتصال. كان يحدث هذا أحياناً في صورة طفرة ثورية، ومن الأمثلة على ذلك ثورة (القصر) التي أسقطت ملوك الشوجون ( Shoguns) عن العرش ونصبت عليه الميكادو ( Mikado) فتخلصت اليابان هكذا من حالة القرون الوسطى والقابلية للاستعمار، فدخلت في حلبة الاستعمار؛ لأن الاتصال في القرن الأخير لم يكن ليتم إلا هكذا، أي على محور (القوة) طبقاً للوضع الغربي، وإن الظاهرة لتستمر في تتابعها مع تحول هذا الوضع بصورة معجلة إلى وضع عالمي، وها هي الصين تجتاز اليوم المرحلة نفسها بثورتها الشعبية طبقاً لقانونه.
فالظاهرة هي عالمية الحضارة الغربية التي تطرد بدافع من (قوتها) الخاصة، ومن تطور الشعوب التي تعيش على المحور الآخر ((ولكن الاتجاهين لا يتضايفان، بل إنهما في حالة معينة يتطارحان، فالأثر يحد أحياناً بالآثر المضاد، أي إن القوة