للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

التي خلقت في القرن الماضي الامبراطورية الاستعمارية، هي في طريقها إلى أن تفقد اليوم سلطتها على المستعمرات في اللحظة نفسها التي تبلغ فيها القمة باكتشاف الطاقة الذرية.

ولكن الخسارة في مجال السيطرة يعادلها تماماً كسب في مجال الاتصال الإنساني، فإن التطور غير المتقاطع (المتوازي) للاستعمار والقابلية للاستعمار، كان ينطبق على الانفراد (بالقوة) التي كانت في حوزة أوروبا تتيح لها تلك الفتوحات المخيبة للآمال؛ لأنها كانت عارية عن أية أهمية إنسانية، حيث كانت منذ عشر سنوات فحسب لا زالت توحي بموضوعات تترجم عن خيبة الظن، كذلك الموضوع الذي كتبه كاتب إفريقي مشهور تحت عنوان معبر هو ((اللقاء المستحيل)) (١) وهو أن تطوراً متقاطعاً بدأ يتحقق شيئاً فشيئاً خلف هذا التطور، حيث يقرب بين المحورين اتجاه مشترك، ولقد تجلى هذا الاتجاه المشترك في صورة إرادة بعث جديد على كلا المحورين، وكان ذلك عندما شعر أحدهما بالسقوط ألاجتماعي الذي يعانيه وشعر الآخر بالسقوط الروحي الذي كاد يرديه. وإن هذه الارادة التي لم تع تماماً حقيقة نفسها في مجموعها لتعتبر ضمان النجاح النفسي الأكيد للتعايش، وهو الهدف الجوهري الذي تتجه إليه سائر التطورات الأخلاقية والاجتماعية التي تجري في العالم الآن. ولقد تخفي هذه الظاهرة الأساسية للتعايش بعض الظواهر السطحية السياسية الناتجة عن المرحلة الثورية التي نمر بها ولا شك، فإنه من الصعب علينا أن نفسر الانقسامات السياسية التي تتوالى منذ عشر سنوات في نطاق (اللإمبراطورية الاستعمارية) على أنها أعراض للتقارب بين الشعوب المستعمِرة والمستعمَرة، فلو أننا اقتنعنا بالبرهان المؤقت، فقد يكون من الصعب أن نبرهن على أن تلك الانقسامات السياسية التي منحت الهند وأندونيسيا استقلالهما قد أنتجت حركة تقرب هذين البلدين من إنجلترا وهولندا على وجه الخصوص.


(١) نشير بهذا إلى الدراسة المضنية الهامة التي ظهرت عام ١٩٤٨م للكاتب أميه سيزير Aime Césàire في مجلة باريسية تحت عنوان (اللقاء المستحيل).

<<  <   >  >>