للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أما بصفة عاجلة فإننا نرى فيها ما يشبه حركة تدفع عن المركز، بحيث يدفع أثرها عناصر العالم. مما يشبه الانفجار الذي يبعد بعضها عن بعض. ولكن هذا المظهر السياسي المؤقت يندمج- في سياق التاريخ- مع شروط أولية لحركة إعادة تركيب العالم، على أسس منزهة عن الاستعمار والقابلية للاستعمار. وبذا يبدو التحلل الذي يعانيه العالم اليوم في هذا الاتجاه، وكأنه مرحلة أولى ضرورية لحركة مركبة يجب أن تنتهي إلى وحدة العالم، تلك التي يفرضها عامل (القوة) كقدر محتوم جار على تطوره. ولكن معنى هذه الوحدة إنما يتمثل في المضمون الذي يمكن أن تصوغه القوى الروحية والقوى المادية التي تصنع تاريخ القرن العشرين.

(فالقوة) المسيطرة، و (الروح) المحررة المطلقة هما هنا طبعاً في صراع، والتركيب الحيوي النهائي إنما يكون نتيجة مساهمتهما في هذا الصراع. بحيث يؤدي هذا الصراع إلى عهد جديد من عهود السيطرة، بطلاه هما الرجل المستعمِر والمستعمَر، أو إلى عهد من عهود التحرير ونهوض الرجل الحر.

أياً ما كان الأمر فإننا أمام عملية (تحلل وجمع) على كلا المحورين في وقت واحد مع احتفاظها بخصائصها في كليهما. إن التاريخ الذي فقد توازنه في الحقبة الراهنة بفعل الحربين العالميتين جاد في أن يجد مركز ثقله الجديد. ولكننا نجد على محور واشنطن - موسكو، حيث إن القوة كانت قد حددت مركز ثقله التقليدي في القرن التاسع عشر، نجد الآن عوامله الجوهرية المحركة التي تفسر لنا تقلبات الحالة الراهنة في العالم، مع أن هذه العوامل لا تكفي وحدها في تفسير هذه التقلبات، فالواقع أنه يجب أن نأخذ في اعتبارنا بعض العوامل الأخرى التي تؤثر منذ عشر سنوات على اتجاه العالم في صورة دوافع أخلافية، ترد إليه من المحور الآخر، وهي تترجم عموماً عن رد الفعل لديه إزاء عامل ((القوة)) وهذا التعارض بين (أثر القوة) و (أثرها المضاد) هو الذي عقد تطور هذه الحقبة، وعقد الحالة الراهنة بدرجة كبيرة.

<<  <   >  >>