فالأزمة من أساسها قد انعقدت على تناقضها، وهي تصل بهذا التناقض إلى قمتها أي بالأثر والأثر المضاد عندما يصلان إلى منتهى الشوط في النمو الطفري المفاجئ للحضارة، باكتشاف الصناعة الذرية. فأصبحت نتائج هذه الصناعة وآثارها في الإطار النفسي تكون من ناحيتها بوادر حل الأزمة.
فالأسلحة الذرية بأثرها المباشر كانت الحجة البالغة لكل ما يتصل بالناحية الاستراتيجية، ولكنها بوساطة نوع من الأثر المضاد قد أصبحت أقوى حجة في موضوعات السلام، فقد برهنت في الواقع بطريق الإحالة على استحالة قيام حرب عالمية ثالثة. التي كانت تعد النهاية الطبيعية (للحرب الباردة). ولكن هذه الاستحالة- التي ندركها في الإطار المادي- ستكون قليلة الأهمية إذا لم تمس في الوقت نفسه النظام الأخلاقي أي إذا لم تكن سوى واقع مادي، تسجله النظريات الاستراتيجية والسياسية في ميدانها الخاص، والواقع أننا نرى هذه الاستحالة تتسجل أيضاً في نفسية العصر، مؤكدة في ضميره ضمناً وبصورة درامية، النقطة التي يلتقي فيها المحوران لقاءً فكرياً.
وهكذا تجد وحدة العالم قاعدتها الفكرية في هذه الاستحالة التي لا تدع للإنسانية أدنى قسط من الاختيار، حيث تفرض عليها فكرة (التعايش) الجديدة. فالتعايش ضرورة؛ لأنه لا يوجد مخرج غيره من الأزمة. هذه الفكرة التي تعدّ من الناحية التاريخية إجابة الضمير الإنساني على تحدي (القوة) تشير إلى أن التطور النفسي على محور واشنطن - موسكو قد انتهى عملياً إلى مبدأ عدم العنف. ذلك المبدأ الذي ألهم دون شك اجتماع باندونج. وهو أيضاً المبدأ الذي تتضمنه فكرة (التعايش) إذ هي تعني في مفهوم السياسة أن الكبار تنازلوا عن اللجوء إلى العنف لحل منازعاتهم. هذا الالتقاء لم يحدث اعتباطاً، بل هو دفعة من دفعات اللاشعور، تدل دلالة عارضة في الواقع السياسي على التأثير الغامض الشائع الذي يتمتع به مبدأ غاندي في العالم الراهن.