للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إن لعدم العنف قصته وتاريخه، أما قصته فإنها تغوص في أعماق الجائينية ( Jainisme) التي صنعت مبادئها الجوهرية قبل التاريخ المسيحي بثمانية قرون على يد المشروع الثالث والعشرين لسلالة تيرتانكرا ( Tirthankaras) (١) المشهورة، الذي نمَّى الفكرة الجائينية حتى عهد المهافيرا ( Mahavira) الزعيم الأخير لتلك الديانة، وهو المعاصر لجوتاما بودا ( Gautama Bouda) صاحب البوذية.

فالمبدأ الأولي في القانون الذي سنه هذا المشرع كان على وجه التحديد مبدأ (الحمسا Ahimsa) ، الذي نعرفه في اللغات الحديثة بمبدأ عدم العنف.

وأما تاريخه فإنه يتصل بالعالم الحديث، وقد بدأ مهمته مع بدء هذا القرن في قرية صغيرة من قرى جنوب إفريقية. والحق أن كثيراً من التيارات الروحية يبدو أنها قد انتهت إلى ضمير غاندي في تلك القرية الصغيرة، فمؤرخو (عدم العنف) لا يفتؤون يذكرون هذه التيارات بأحمائها، حين يتحدثون عن أن غاندي يدين بأفكار هنري داود تورو ( Henry David Thoreau) (٢) المبسوطة في مؤلفه (العصيان المدني Civil Disobedience) ، من ناحية، ولأفكار تولستوي ( Tolstoi) من ناحية أخرى.

وتبعاً لهذه النظرية يمكننا أن نضع تخطيطين تاريخيين لتباين التاريخ الحديث لفكرة عدم العنف، فإما أن نعدّ تخطيط تورو- غاندي- ساتياجراها (طريق الحقيقة)، وإما أن نعدّ تخطيط تولستوي- غاندي- ساتياجراها، وإما أن نضمهما معاً في تخطيط واحد، وهناك من المؤرخين لسيرة غاندي من أخذ بهذه الطريقة.

ومع ذلك فيبدو لنا أن من الأولى هناك أن نطبق تخطيطاً نفسياً يحل محل التخطيط التاريخي مهما كانت قيمته. فتاريخ عدم العنف إنما يفسر في الواقع بطريقتين، فإما أن نفسره بتيار روحي على احتمال أنه مر بضمير تورو، ولكنه


(١) هذا اللفظ يعني في اللغة السنسكريتية (الشيخ).
(٢) شاعر أمريكى، انعزل عن المجتمع، وكان يعيش في بدء القرن التاسع عشر.

<<  <   >  >>