لتوازن القوى الاستراتيجية بين الكتلتين، أي إنها كانت أولاً نتيجة سياسية ناشئة عن عنصر (القوة)، فبما أن فرص البقاء قد أصبحت ضئيلة حتى بعد إحراز نصر ذري، فلقد صار من المستحيل دون إعمال فكر الاستمرار في تطبيق نظريات كلوزوفيتز ( Clausewitz) لحل المشكالات المستعصية على الحل بالطرف السياسية، وتلك هي الاستحالة التي حولت الزعيم الإنجليزي وأقنعته بأن الجانب العسكري سقط حقه حين منحت الظروف السلطة المطلقة للسياسة، لكن هذا الاقتناع لم يتكون دون اعتبار جميع عناصر التطور السياسي الذي أدى إلى هذا السقوط ((فقد كان على تشرشل أن يأخذ في اعتباره عنصر (القوة) من ناحية، ومن ناحية أخرى: التيار الحيادي الذي سيطر بصورة سلبية- إن صح التعبير- على المشكلة الاستراتيجية، ولكنه تجلى أخيراً في صورة إيجابية في جميع نظريات السلام، التي صيغت تحت عنوان أو آخر منذ عام ١٩٤٥م)).
ففكرة التعايش قد دخلت إذن ضمير رجل كتشرشل من طريق مزدوج أي على الأقل من طريق يمكن تعريفه (بعدم العنف) الذي ينطبق على التيار الحيادي وعلى مصدره الروحي.
وإن فكرة التيار، الذي كان في بدايته قومياً كنهر الجانج ( Gange) قد امتد من طنجة إلى جاكرتا مندمجاً بالمحور الروحي للفكرة الأفرسيوية باعتبارها تعبيراً أساسياً عن روحها الأخلاقي، تم إنه قد تعاظم بفروع هامة فاضت به على محور القوة، وحياد يوغوسلافيا أحد هذه الأفرع، ويظهر أنه قد كسب أرضاً جديدة في اليونان أيضاً، ولقد نمت اتجاهات حيادية في بلاد أخرى كانت ولا تزال مرتبطة بسياسة الكتلتين (١).
(١) إن الخطبة التي ألقاها الرئيس هنري سباك في المجلس الأوروبي في ١٤/ ٣/ ١٩٥٦م لتبين عن هذه الاتجاهات الجديدة في أوساط قادة أوروبا نفسها، كما دلت التصريحات التي صرح بها المسيو بيير كوت ( Pierre Cot) أثناء زيارته الأخيرة إلى مصر - ديسمبر ١٩٥٧م أن الاتجاهات الحيادية بدأت تظهر حتى في فرنسا حيث يمكن أن تجد فكرة الحياد الايجابي أخصب مؤهل لهم من حيث النهوض الثقاقي.