للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهكذا كلما تعاظم التيار الحيادي، تحولت عناصر القوة إلى عناصر عدم عنف، وتحولت وسائل الحرب التي تنفق وتخصص لها إلى اقتصاد للمسلام. وإذا اعتبرنا أن الحياد قد غير تغييراً سلبياً المشكلة الاستراتيجية على محور القوة نرى في الوقت نفسه أنه قد أتاح فرصاً إيجابية كثيرة للسلام. حين نقل عناصر القوة من الكتل البشرية والمواقع الجغرافية، والمواد من الميزانيات الاستراتيجية إلى ميزانيات التشييد الاجتماعي. وهو بإحداثه للفراغ النسبي من وسائل القوة في (منطقة الحرب) كوّن منها (منطقة رهو) وانخفاض في الضغط الجوي، قد تدع المجال إلى نسمة فكر جديد.

وهكذا نرى التيار الحيادي- وهو أساساً (فكرة باندونج) - قد هيّأ بقدر ما الظروف السياسية والأخلاقية لجو دولي جديد، وهكذا تسجل طابع الروح الأخلاقي الأفرسيوي شيئاً فشيئاً، وبخاصة منذ مؤتمر باندونج في الظروف الدولية الجديدة، وإن التعايش ليدين له في الواقع بأكثر من كونه مجرد دافع روحي، وتوجيه أخلاقي غامض يشتمل على تنازل صوري عن اللجوء إلى القوة، بل إنه يدين له بعناصر أكثر تحديداً، ومن بين هذه العناصر نجد مضموناً نظرياً يجب أن يكون بصورة عملية المقياس الأساسي الذي تقوم عليه أعمال الدول في السياسة الخارجية. ولقد صيغت هذه النظرية في خطوطها العريضة على الأقل، في المبادئ الخمسة ( Panch Shila) وهي التي كانت موضوع البيان النهائي الصادر عن محادثات نهرو وشواين لاي (يونيه ١٩٥٤ م) في نيودلهي. والبيان الذي أكد عباراته في بكين في شهر أكتوبر التالي المتفاوضان ذاتهما هو في جملته نص أساسي لميثاق التعايش الدولي الموضح في خمس نقاط هي: الاحترام المتبادل لسيادة الدولة على أراضيها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر، والمساواة في الحقوق، وفي المنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي. ولقد صار هذا (المتن) نموذجاً وإطاراً للمناقشات الدولية خاصة في باندونج ... ثم إن الفكرة قد اكتسبت حيوية جديدة على محور واشنطن - موسكو، حين تكيفت لا تبعاً للجو السياسي في الوسط الجديد فحسب- ولكن تبعاً لحياته

<<  <   >  >>