للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ففي نيودلهي وبكين تغنى أصحاب المبادئ الخمسة بفكرة (التعايش الإيجابي) ومنذ عودة بولجانين وخروتشيف من رحلتهما فى آسيا، تحدث العالم عن فكرة (التعايش في ظل المنافسة Co existence compétitive) ، وهكذا ينمو الموضوع في جميع الاتجاهات، وفي سائر الميادين، وإذا بالتعايش قد أصبح بنداً جوهرياً في اثني عشر اتفاقاً دولياً، تعين على الخريطة بقاعاً تتجه إلى الاندماج في (منطقة سلام).

فجميع بوادر النمو تدل على أن هدنة جنيف، أو فكرة التعايش المقصودة في هذا الباب هي شيء ينبغي أن تتجاوز مرحلته، وليست هذه البوادر هي الدلائل الوحيدة التي يجب أن نحسب حسابها في ميزان الحالة الدولية، وإلا وقعنا في العيب الشائع الذي يتصل بجذور أزمة القرن العشرين، أعني: النظر إلى جميع المشكلات الإنسانية من زاوية أوروبية.

فتجاه الحالة على محور واشنطن - موسكو يجب أن نأخذ في اعتبارنا الحالة على محور طنجة - جاكرتا، فباندونج وجنيف متكاملان في الاطراد العالمي، فإذا انفصلا، فربما لا تحل كلتاهما بمفردها المشكلة العالمية، فالتعايش السياسي على محور (القوة) يسيطر بلا شك على الحالة العالمية بسبب ما لديه من عناصر النظام الصناعي، وعوامل القوة، والإمكانيات المادية التي تدخل في الحساب. ولكن إعطاء الأسبقية لحل جزئي لا يخوله أن يعالج كل شيء. فبالأحرى لا يمكن لحلّ يضعه مؤتمر باندونج منفرداً أن يقطع برأي في الحالة العالمية. فكل محاولة لإرجاع هذه الحالة إلى حل جزئي لن تكون سوى محاولة خائبة، ورجعية. ونوشك في حالة كهذه أن نبعث الازدواج الجغرافي السياسي من قبره، وهو الذي يتمثل في الاستعمار والقابلية للاستعمار مثلما كان سائداً في العهد الذي كتب فيه جوليس فيرن ( Jules Verne) قصته المشهورة (ميشيل استروجوف (١) Michel Strogoff) ، ونوشك في حالة أخرى أن نشهد على محور


(١) هي قصة تناول فيها الكاتب الفرنسي المشهور موضوعاً اقتطفه من ملحمة الاستعمار الروسي زمان القيصر في آسيا الوسطى.

<<  <   >  >>