للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولو أننا وجدنا كاثوليكياً متحمساً معروفاً بميوله الكاثوليكية، وبوضعه الاجتماعي، قد انضم إلى جمعية فرنسية- روسية، كما فعل أحد الأكاديميين الفرنسيين المشهورين أخيراً، فلا شك في أن هذا حدث غير عادي، وله مدلوله البليغ. وكذلك حين نجد صحيفة برافدا ( Pravda) في عددها الصادر في ٦/ ٢/ ١٩٥٦م تدعو وتلح في أن تقوم فرنسا بدور الوسيط بين الشرق والغرب، فليس هذا مطلقاً توقعاً عادياً.

وأيا ما كان الأمر، فإذا كانت جنيف نهاية تطور سياسي ناتج عن النمو الخطير في عنصر (القوة) على محور واشنطن - موسكو، فمن الواجب دون شك أن نرى فيها نهاية اطراد ذي طبيعة أخرى، نجد دلائله في مختلف الميادين، في صورة أسباب نفسية وروحية وعقلية، فكأن هذه الأسباب (قوى) جاذبة تخفف وتنحي تدريجاً القوى الطاردة التي كانت تضع العالم الرأسمالي والعالم الشيوعي وجهاً لوجه في عنف وصرامة.

وأكثر من ذلك فإن مؤتمر الكبار يسجل في عملية التقارب اللاإرادي لحظة هامة ليقظة الشعور، حيث يجب أن يتدخل منذ ذلك الحين عامل توجيه منهجي مع وجود الأسباب اللاشعورية. فابتداء من هذه اللحظة تكتشف الإنسانية الطريق الثالث لخلاصها، حين تلتزم بنفسها، وطبقاً لإرادتها باتباع سبل الرواد الكبار الذين شقوا أمامها الطريق مثل غاندي، وبالسير في مجرى التاريخ، سيكون لديها حينئذ سياسة خلاصها، أو على الأقل ستدرك إدراكاً كاملاً أن من الواجب عليها أن تحدد سياسة كهذه. وإن التعايش الذي حددته (فكرة جنيف) لهو جزء من الحل الذي جاء به محور القوة للمشكلة الإنسانية. وهو في مرحلة (الحرب الباردة) التي يجتازها العالم. جزء جوهري يمنح التاريخ الزمن اللازم ليصنع نفسه، ويمنح محور طنجة - جاكرتا فرصة ليبدأ مساهمته الخاصة لإكمال الحل الشامل للمشكلة، لقد كانت هذه المساهمة تعد- دون شك- منذ عشرين عاماً شيئاً زائداً، لالزوم له، إذ كان التاريخ يتكون فقط على محور

<<  <   >  >>