المنطقي الذي يوحي به الفيلسوف، ولكن فكرته تحدد على أية حال الرسالة العالمية لفكرة (الأفرسيوية)، تلك التي بدأ قادتها يقدرون مدى أهميتها وخطورتها، وإن جهودهم لتشهد بذلك في الخارج، في توجيه سياسة خارجية تتفق مع مغزى هذه الرسالة، وفي الداخل، في بناء نظام اجتماعي صالح لأن يهب لبلادهم القاعدة المادية التي تكافئ دورها الأخلاقي، والضروري لتحدث تأثيرها.
وفي الوقت الذي يكون الرجل الأفرسيوي قد حل بنشاطه المزدوج مشكلاته العضوية، وحدد اتجاهه العالمي، فإن نصيبه في حل الأزمة العالمية سيصبح حاسماً. على أنه قد بين فعلاً- حين بدأ في علاج وضعه هو منذ مؤتمر باندونج- أن هناك حلاً متكاملاً لتلك الأزمة. والواقع أن (حضوره) في العالم- منذ اللحظة التي وعى فيها موقفه- قد صار عنصرا مركباً (لفكر عالمي)، فخارج تفكيره في ذاته نجده قد أثار ألواناً من التفكير تدفع إلى الأمام ركب التطور الأخلاقي والمادي على المحورين في وقت واحد. وهو حين يدعو الفكر الغربي إلى هذا التفكير فإنه (يقدم) هذا الفكر في اتجاه عالمي، وبهذا المعنى تأخذ الفكرة الأفرسيوية على عاتقها دوراً محرراً في مواجهة الفكر الغربي، إذ إنها تستطيع تحريره من (ذهان) السيطرة، حين تفتح أمامه في العالم اتجاهاً أخلاقياً. وعلى طرفي محور واشنطن - موسكو بدؤوا في الواقع يدركون مشكلة البلدان المتخلفة لا من الزاوية الاستراتيجية أو المذهبية- ولكن من زاوية حاجات الشعوب، ففي واشنطن وفي موسكو يتحدثون عن تحويل جزء من ميزانيات الحرب كرصيد لمساعدة البلدان المتخلفة، ولا شك في أن للرجل الأفرسيوي سهمه في هذا الانتصار لفكرة التعايش. ومما لا يقبل الجدال أن بعض التغييرات النفسية التي طرأت على محور القوة إنما تعود جزئياً إليه بفضل نشاطه، أو لمجرد حضوره. وإذا كانت مبادئ إعادة النظر في العلاقات التقليدية بين المحورين، أي بين الأوروبي والمستعمر لم تنضج بعد في الضمير الغربي، فإن أماراتها قد ظهرت فعلاً في ميدان الثقافة، وأيضاً في ميدان التفكير الاقتصادي في البلدان المتقدمة.