للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومما له دلالته في هذا الباب، أن يستخدم أحد أساتذة الجامعة الفرنسية مثلاً كلمة جديدة هي ( Décoloniser) وتعني: ((الخروج من نظام الاستعمار)) وذلك أمارة على تطور عميق في الفكر الغربي. ذلك الفكر الذي كان يدور منذ نصف قرن من الزمان حول كلمة ( Coloniser) التي تعني ((الدخول في نظام الاستعمار)).

وفي الميدان الاقتصادي يظهر الاتجاه واضحاً للخروج على المقاييس التقليدية، فهناك من يدعو إلى (تجاوز النظام الرأسمالي) وفي النظريات التي رأت النور تحت إشراف معهد علوم الاقتصاد التطبيقي ( I.S.E.A) في فرنسا، يتحدثون عن أشكال من النشاط الاقتصادي من دون غلة، أي أشكال منوعة من الاقتصاد المجاني، أو اقتصاد الهبة، خلال مراحل متعددة.

فالتفكير في مشكلات الرجل الأفرسيوي يستدعي إذن أن يراجع العالم الأفكار التقليدية، وهذه المراجعة تهدف عملياً إلى إلغاء المسائل الاجتماعية والثقافية التي تفصل الجماعات الإنسانية على المحور الأفرسيوي عن البلدان (المتقدمة). ولكن تأثيرها يقع على محور واشنطن موسكو في الوقت نفسه، في اتجاه التقارب بين مقاييس العالم الرأسمالي ومقاييس العالم الشيوعي، بحيث ينتج عن المراجعة تأثير مزدوج على تطور العالم، وهو يحتم في الواقع تطوراً مزدوجاً يتجه إلى التلاقي في عصر عالمي. وما زال الرجل المكب في معمله على أسرار الذرة بعيداً- ولا شك- عن ذلك الذي يرعى قطيعاً من الماشية في أرض قاحلة وهما مختلفان، كلاهما عن صاحبه، ولكن طريقيهما يتجهان إلى التلاقي، وبما أن هذا يدرك تماماً سقوطه المادي، وذلك يدرك سقطته الروحية فهما صائران إلى نقطة تلاقيهما، بدافع من طموحهما المتبادل. وسيتوج هذا اللقاء حدث الإنسانية العالمية، الذي يبدو أنه يسجل الأجل الذي ((يعتبر تاريخ الإنسانية كله بالنسبة إليه بداية غير واضحة، ولكنها وطيدة)). ومعالم هذا الاحتمال تتحدد أمام الضمير الذي بدأ فعلاً يدركها في وقائع مادية، ويبدو أن

<<  <   >  >>