للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الضمير سبب معين لكي يحترم كرامة الإنسان، وإذا لم يكن لديه في هذا النطاق بعض الضوء السماوي فإن أي ((إعلان دولي لحقوق الانسان)) يكون من قبيل الأدب المجرد. إن الإسلام يأتينا بهذا الضوء الذي يحوط الإنسان ويجعله محترماً في عيني أخيه الإنسان، إنه يأتى بهذا السبب السامي الذي يفرض احترامه مهما كان لونه، وجنسه، وقوميته، واعتقاده. وهو يضع لفلسفة الإنسان هذا الأساس الميتافيزيفي: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الاسراء: ١٧/ ٧٠].

فهذه الآية القرآنية تعطي للإنسان كل عظمته، وكل بروزه، وكل حجمه في الضمير الإسلامي، وإنما ينتج حجمه من هذا التكريم الأساسي حيث لم يعد الإنسان نقطة صغيرة من المادة الحية، نقطة صغيرة تافهة، إذا قيست بمقاييس المادة تلك التي تعدّ الكرة الأرضية ذاتها (نقطة في الفضاء) نقطة صغيرة تافهة تستطيع قنبلة ذرية واحدة أن تمحو منها مئتي ألف، كما حدث في هيروشيما.

فحجم الإنسان في نظر الإسلام ينتج عن اللانهائية التي خصه الله بها، عندما نشهد في حديث القرآن عن الخلق سجود الكون لآدم، ثم يطرد الله إبليس؛ لأنه رفض السجود له، ونحن ندرك كم يكون هذا الأساس مهماً لتشييد بناء إنسانية عالمية، مهماً في اللحظة التي لم تعد تستطيع فيها الإنسانية خلاصاً من مأزقها حيث أقحمتها إرادة القوة، إلا عن هذا الطريق: طريق الحضارة الذي يهب للإنسان حرياته وأصالته وألوان اختياره جميعاً.

ولو أننا أدركنا كم يكون من المفيد في هذا الطريق أن نأخذ بهذه المبادئ الإسلامية، فسنرى من هنا ضرورة تنشيط هذه المبادئ بإنشاء ثقافة مناسبة لحال المجتمع الإسلامي، لتطبيقها بمفهومها الاجتماعي، وعلاقاتها التاريخية الجديدة. وجدير بالقادة المسلمين أن ينظروا إلى هذه المشكلة في هذا الاتجاه فيترجموا قيم الإسلام (الروحية) إلى قيم (اجتماعية) وهم بهذا يسهمون في إغناء الثقافة الإنسانية (بحقيقة) إسلامية تحييها، وتؤتيها بالتأكيد عنصراً جوهرياً مكملاً، يغذي (أجنة) عديدة يجب أن يتم نموها وتطورها في اتجاه الفكرة العالمية.

<<  <   >  >>