ولكن العالم الإسلامي لم يواجه بعد مشكلة الثقافة بطريقة منهجية وهذا النقص هو الذي يسبب له تلك السلبية المؤثرة على أوجه نشاطه والتي يحملها المسلم في نعاله. حتى في اتجاهه إلى (الوظيفة)، وإذا كانت الوظيفة تتطلب عموماً وجود موظف فإن العكس يحدث كثيراً في البلاد الإسلامية حيث يتطلب الموظف خلق الوظيفة. وفي اللحظة التي انعقد فيها مؤتمر باندونج صادفت في إحدى العواصم العربية أحد الموظفين الكبار المكلفين بأمر وزير الخارجية بإعداد (دوسيه) خاص بشؤون آسيا طلبت منه باعتباره مصدر ثقة، بعض المعلومات المكملة المتعلقة بمؤتمر باندونج فإذا بي أجد نفسي أمام موظف لا أمام وظيفة فلقد كان موضوع الوظيفة بعيداً عنه بعداً تاماً.
على أن ما يؤلم في مثل هذه الظروف ليس هو الجهل الحالي الذي يتصف به الموظف فربما لا يكون قد تمكن مؤقتاً من دراسة الموضوع ولكن المؤلم حقاً ألا يكون لديه الاستعداد لكي يبدأ العمل، كما دفعنا إلى افتراض ذلك عدم وجود أي فكرة موجهة لديه فسلبيته الآن يبدو أنها تشاركه وظيفته حتى كأنها جزء من ذاته مطبوعة في مباني شخصيته. وهكذا يبدو أن المسلم ليس سلبياً فقط، بل إنه بما اعتراه من خلل في الغريزة الاجتماعية- الناتج عن ملابسات تاريخه وعن التمسك الأعمى بالشكليات التي خلفتها له قرون الانحطاط- يبدو أحياناً وكأنه يبحث قصداً عن طريق السلبية. والواقع يدل على أن هذا الوضع لم يخرج في إفريقية الشمالية من إدراك الذوق الشعبي الذي ابتكر رسماً تهكمياً (كاريكاتور) ليصور هذه السلبية في الغريزة الاجتماعية التي تحبط المقاصد والوسائل.
ويمثل هذا (الكاريكاتور) رجلاً يريد أن يشير إلى إحدى أذنيه فيستخدم اليد اليسرى ليشير إلى أذنه اليمنى أو يستخدم اليمنى ليشير إلى اليسرى. وبدهي أن هذا ليس أقصر طريق ليشير بصورة طبيعية خاصة إذا ما وجدناه يدير ساعده حول رقبته ... كما صور ذلك الكاريكاتور.