للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إذا هم لم يعرفوا ويقدروا نصيب الآخرين. وأكثر من ذلك فإن هناك أنواعاً من الجهل لا يمكن الإغضاء عنها في القرن العشرين، وهناك إضافات لهذا القرن، وقيم خاصة به لا تستطيع طبقة مثقفة مسلمة أن تجهلها دون أن تشنع بنفسها (١). فليس من الممكن أن نعيش بنفسية المنعزل الذي يجهل قيم الآخرين، وهناك بلا جدال الكثير مما يجب إنجازه في العالم الإسلامي. فالمسلم الذي أوتي قليلاً من اليقظة والانتباه للأحداث، ولصداها اليومي يستطيع- بمجرد إدارته لمفتاح جهاز الاستقبال- أن يدرك أن الضمير المسلم غائب عن العالم، وأنه ضمير منعزل لا يشارك في الشؤون العالمية، فنحن لا نجده في المؤتمرات الدولية الكبرى، ولا في مصطرع الأفكار الناتجة عن اصطدام النظريات الاجتماعية والفلسفية التي تتقاسم الإنسانية الآن هذه النفسية الانعزالية تبلور سلبية العالم الإسلامي في الإطار العالمي، في الوقت الذي يتقرر فيه مصير الشعوب خارج حدودها القومية، وفي الوقت الذي يدخل العالم فيه إلى عهد التعايش أي العيش مع الآخرين مشتركاً معهم في بعض الالتزامات وفي بعض الحقوق. هذه الالتزامات والحقوق تطبق على التعايش فكرة (الملكية الشائعة) القانونية وبالتالي قواعد حسن الجوار وسوئه، التي تفرض نفسها على كل شريك في الملك.

هذه الفكرة يجب أن تتسجل في التطور النفسي للمسلم حتى يخرج من (العزلة) التي أغرقه فيها الانحطاط وحتى يدرك (حضور) الآخرين المحتوم في العالم الراهن. وحتى يتفتح لفكرة (القرين) الذي يقاسمه نعماءه وبأساءه، في عالم يتصل حل الأزمة الإنسانية فيه بجميع الشعوب والأديان، وإذا كان ضرورياً للمرء أن يحسب حساب حسن الجوار في رفيق القطار فإن اعتبار ذلك أكثر ضرورة في رحلة عبر التاريخ.


(١) من المحزن أنه في الأيام التي انعقد فيها مؤتمر باندونج كتبت صحيفة يومية كبرى بالقاهرة تحيي ذكرى غاندي، وتذكر أن تعاليمه كانت تهدف إلى السمو بالروح خاصة ولكن على حساب الجسد، فلو كان الصمت في وقت من الأوقات من ذهب لكان هذا وقت الصمت، حيث لا ينبغي أن يصرح كاتب عن جهله هكذا.

<<  <   >  >>