للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولقد أقرت تعاليم الإسلام القانون الخلقي الأسمى للجوار، حين خلعت عليه أعظم تفسير اجتماعي، فالجار محترم في كل حال (١)، ولكن الأمر يتعلق مرة أخرى بأن نوفق في العالم الإسلامى بين الجانب الاجتماعي والجانب الروحي، وذلك بأن نعطي الجوار معناه الأوسع الذي ينطبق على ظروف الاتصال الإنساني الخاصة بالعصر الذري، فإذا كان جارنا هو الذي نراه ونسمعه، فإننا نسمع اليوم ونرى على بعد آلاف من الكيلومترات، فجوارنا لم يعد في شارعنا، أو مدينتنا، أو بلدنا، بل أضحى في كل مكان، أينما وجد آخرون.

وإذن فمن الجوهري بالنسبة للمجتمع المسلم أن يتخلص من النفسية الانعزالية الموروثة عن قرون الانحطاط حتى يثبت حضوره في العالم، ولا سيما عندما يؤلف الطبقة المثقفة في البلاد. فليس له أن يصطحب في صعوده وبعثه سلبية الوسط العائلي أولاً، والوسط الاجتماعي أخيراً.

ويستطيع التعليم الجامعي أن يعدل بعض أشكال الفكر لا أن يحورها كلية، فإن بين المثقف ورجل الشارع أساساً مشتركاً تنعكس عليه درجة التطور العام لوسطهما، والنفسية الانعزالية تتصل بهما معاً، فيجب إذن أن نواجه المشكلة من الأساس، فننمي معنى الارتباط لدى الطفل، لاخراجه من العزلة التي وضعته فيها التفرقة بين الذكر والأنثى في الوسط العائلي، حيث تنحاز الأم والأخوات إلى جانب، والأب والإخوة إلى جانب آخر. وهذا الوضع يمارس- فضلاً عن ذلك- سلطة تغرس الطفل في عزلته. حيث ينغلق فهمه للارتباط الإنساني. فالوسط العائلي المسلم لا يسلم للمجتمع كائناً اجتماعياً صالحاً لأن يؤدي فيه دوراً فاعلاً، لأن اتصاله بالآخرين متعسر، وسواء في ذلك أقرانه، وشركاؤه الذين يقاسمونه أعماله ومصيره. وتشهد بذلك الاتصالات اليومية في بيئة شمال


(١) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس بمؤمن من لا يأمن جاره بوائقه».

<<  <   >  >>