للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إفريقية خاصة، وربما كان السلوك الانعزالي أقل ظهوراً في تونس، مما شجع على تكوين النشاط النقابي، أسبق من نظيره في الجزائر مثلاً (١).

وينعدم معنى الصلة (الاجتماعية) بصفة عامة عند الصفوة (التقليدية) ذات الصبغة الزيتونية أو الأزهرية كما ينعدم لدى الصفوة (العصرية) المتخرجة في الجامعات الغربية، ومشكلة هذه الوراثة تخص العالم الإسلامي كله وتواجهه في اللحظة التي تستهل فيها فكرة التعايش عهداً عالمياً بالنسبة إلى الإنسانية.

إلا أنه يبدو أن المشكلة تبرز من ميدان اللاشعور لكي تأتي إلى ميدان الشعور في التطور الراهن للمجتمع الإسلامي. فإنه باهتمامه أكثر فأكثر بتكوين (إرادته الجماعية) يضع المشكلة في عداد المشكالات التي شعر بها ورغب رغبة ملحة في حلها، وإلى هذه الرغبة يجب أن نعزو سعيه إلى بحث موضوع توجيه الثقافة العربية، ومن الممكن أن نذكر تطوراً معيناً حدث في مصر في المجال المذكور، فلقد استطعت أن ألاحظ بنفسي هذا التطور خلال أعياد الجلاء، بمناسبة العرض العسكري الذي جرى في ٢٥/ ٦/ ١٩٥٦م، وكنت قد شاهدت عرض يوليو ١٩٥٤م أي منذ سنتين فلاحظت آنذاك مظاهر النفسية الانعزالية في صورة انفعالات الجماهير، حيث يعمل كل شخص منفرداً لكي يرى العرض من أجل متعته الخاصة، على حساب الآخرين. وفي العرض الأخير سجل الجمهور المصري قدراً أكثر من (الإرادة الجماعية)، وذلك حين ننظر إلى سلوك أي جماعة من الجماعات الشعبية. لقد كان هذا الجمهور يرعى عموماً قواعد الجيرة وفي كثير من الكرامة، وهذا يدل على أن (الفكر الجماعي) يسيطر شيئاً فشيئاً على (النفسية الانعزالية).

ولكن يلزمنا القول بأن المشكلة تظل تواجهنا في العالمين العربي والإسلامي، ولعل انعقاد مؤتمر يتخصص لدراسة الاجتماع في هذا العالم يضيء لنا هذا


(١) إننا لا نجد أحياناً في المسلم المثقف في الجزائر الاستعداد الاجتماعي بل على العكس فهو كأنه يندفع بغريزة لا اجتماعية ولا يشعر أنه يطبق بالضبط برنامج الاستعمار.

<<  <   >  >>