لا يملك علماً بعد، يقدم إليها ضميره، وبراءة طبيعته البسيطة العذراء، ولاشك في أن هذه هي الرسالة التي كان يفكر فيها غاندي حين تحدث عن (غزو الغرب) الذي سيحظى برضا الغرب نفسه.
إن مركب (القوة) موجود في أصول المرض الأوروبي، فمن اللازم إذن مساعدة أوروبا على التغلب على هذا المركب، ولقد أعطانا الأستاذ دوهاميل حين عالج مشكلة (مستقبل البيض) صورة حية حين بين كيف يتلاحم عنصرا هذا الذهان في الضمير الأوروبي، إذ يبدو أنه لم يعد لدى الأوروبي أمن مادام أنه لم يعد له سلطانٌ، وبذلك يبدو أنه مدفوع إلى عدم مواجهة المشكلات إلا بلغة القوة. كأنما هو لا يتوقع إلا أن يكون ظالاً أو مظلوماً، مضطهَداً أو مضطهِداً، فآلية هذا الذهان كامنة في أعماق (الذات) الأوروبية، ولقد أصر مستر هنري سباك حين كان يودع زملاءه الأجانب في إحدى جلسات المجلس الأوروبي الذي انعقد في بروكسل قبل مساء الميلاد بساعات، أصر على أن ينطق بعبارة أملتها ظروف الاحتفال بالميلاد ذاكراً أن ((أعياد ميلاد السعادة والسلام إنما تصدر عن تنظيم أوروبا لأن أوروبا تعتبر مفتاح السيطرة على العالم ... ))، فالسيطرة والسعادة يسيران إذن جنباً إلى جنب في هذا المنطق الذي يعكس موقفاً أساسياً للضمير الأوروبي، وبهذا تصبح المشكلة دقيقة ورهيبة، شأنها شأن كل ما يمس الضمير الإنساني. ولعل من الخسارة الكبرى، ليس فقط بالنسبة إلى أوروبا، بل بالنسبة إلى الإنسانية جميعاً، أن يفقد الرجل الغربي مع ضياع سيطرته على العالم ثقته في نفسه، وفي إمكانه إبراز موهبته وعبقريته، في عالم حطم أغلاله، فهذا هو الخطر الهائل، وسيكون هذا الذهان- مادام أنه لم يقض عليه- عنصراً ثابتاً في الأزمة.
فأوروبا بلا شك يجب أن يتاح لها الاستمرار في إبراز عبقريتها القديرة، ولكنها في الظروف العالمية الجديدة يجب أن تجد (أمنها) في مودة الشعوب لا في السيطرة عليها، ولكم نتمنى أن تتغلب على انعكاس (الدفاع عن النفس) الذي يعدّ شرطاً في سياستها وهو يوجهها