للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولقد كان يوسع أفقها كلما رأى من الضروري بحق أن يخرج بها عن نطاق مستقبل الهند الذي حبس فيه غاندي نشاطه، اهتماماً منه بأن لهذا النشاط فاعلية، كما قد يكون من باب التواضع أيضاً. وكان رولاند يفعل ذلك لكي يدمجها في المستقبل المتوقع للعالم الذي يراه وهو الرجل الذي ينظر إلى الأشياء من ذلك الفلك الأوروبي الذي أصبح بما يحوي من ثقافة، وحضارة مدفوعة بالسلام أحياناً وبالعدوان أحياناً أخرى إلى المجال العالمي- مدار القرن العشرين (١) - ولو أننا وضعنا أيضاً تاريخ القومية الجزائرية أعني تاريخ النشاط العادي للاستعمار الذي خلق هذه القومية حين أثبتها شيئاً فشيئاً في أفكار الفرد وفي سلوكه فيجب أن نأخذ في حسابنا الدور الذي قام به خلال تلك الحقبة النشوئية أولئك الأساتذة العظماء أمثال سبيلمان ( V. Spielman) وأوجين جانج ( E. Jung) كما أننا لا ننسى ما ساهمت به الجامعة في إمداد النشاط الوطني بعناصر قيادية، وما أمدته به أحياناً من معونة مباشرة في المجال الأدبي (٢).

وفي تونس مثلاً لم يجد الحزب الدستوري عام (١٩٢١م) الأساس القانوني للمطالبة بدستور للأمة التونسية إلا بناء على فتوى مستشارين من جامعة باريس هما: جوزيف برتلمي ( J. Barthelemy) أستاذ القانون الدستوري، وأندريه فيس ( A. Weiss) أستاذ القانون الدولي العام. وكان هذان المستشاران قد بينا في مشروع الدستور الذي وضعه الباي محمد عام (١٩٥٧م) المبدأ الذي لا يقبل التقادم، حتى كان من الممكن أن يتطور في ضوئه النشاط الوطني كله منذ ثلاثين عاماً، وكان الاستعمار قد دفن هذا المشروع بفرض الحماية على تونس.

وإذن فإن لدى أوروبا عبقريتها الخيرة وعبقريتها الشريرة فإذا ظهر على المسرح مركب (القوة) المتمثل في النزعة الإمبراطورية وفي الاستعمار والعنصرية،


(١) مقتبس عن مقال للمؤلف نشر في صحيفة (الشاب المسلم) في ٢٦/ ٦/ ١٩٥٣م، الجزائر. ثم أعيد نشره ضمن كتاب (في مهب المعركة) للمؤلف، طبعة دار الفكر بدمشق.
(٢) ومن أوضح المواقف في هذا السبيل موقف البروفسور مندور.

<<  <   >  >>