وهكذا لعب القدر دوره، فإذا بالعالم المستعمر نصفه والمتحضر نصفه الآخر، العالم الذي خطا فيه جيلنا خطواته الأولى، وحققت فيه الطائرة محاولاتها الأولى، العالم الذي كان فيه الاستعمار والقابلية للاستعمار بمثابة الشاشة التي تتابع عليها أحداثه المهمة مثل (حادثة فاشودة) أو (حادثة أغادير)، هذا العالم الذي كان يؤمن بانقسامه الجغرافي السياسي، كأنه هو وضعه الطبيعي، كأنه فصل بين فصيلتين من فصائل الحيوان: إذا بهذا العالم لم يعد له وجود.
ولكن كان على حرب عام ١٩٣٩م- حين محته- أن تلد عالماً جديداً مطابقاً لحاجات الإنسانية التي بلغت رشدها، مطابقاً لمطامحها، ومع ذلك فإنها لم تلده.
ففي عام ١٩٤٥م- السنة التي كان يتوقع فيها هذا الحادث السعيد- أخرج التاريخ سقطاً مشوهاً، حين أجهض على يد (قوابل) من الأشرار، لقد ساقوا البشارة بمولود جديد اصطنعوه من لفائف منتفخة، رغبة في تغيير معالم الجريمة، وفي تضليل الشعوب التي كانت تنتظر ميلاده، كان هذا المولود الجديد هو (عالم الأربعة الكبار). ولم يكن للمزورين حيلة تنجيهم من أن يسيئوا الظن بأنفسهم، ومن أن يقلقوا على مستقبل الوليد الجديد المصنوع .. !
ونحن نجد انعكاسات لهذا القلق البالغ في دراسات حديثة، ظهرت في الغرب عن المشكلات الجغرافية السياسية، كذلك الانعكاس الذي يبدو أن صاحبه أراد أن يعبر عن قلقه ويصفيه في الوقت نفسه، حين لفت نظرنا إلى أن ((تصفية التأثير الغربي لم تتم في الأعوام العشرة الماضية كما قدر ذلك في عام ١٩٤٥م)) ها هوذا (القابل) الشرير، وقد استعاد ثقته القديمة في العالم القديم أو على الأقل في أنقاض العالم القديم.
لقد دفع الضمير المضطرب أبطال الحضارة إلى بعض المحاولات خلال الحرب العالمية الثانية، وكان ميثاق الأطلنطي إحدى هذه المحاولات لوضع أسس عالم جديد، ولكن حين ذهب الخطر اكتفى هؤلاء الأبطال بأن يستقروا بين أطلال